بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

السبت، 15 أوت 2015

حرب بن غبريط على اللغة العربية

حرب بن غبريط على اللغة العربية

إدراج العامية في مناهج التعليم التحضيري والأساسي


تسعى وزيرة التربية والتعليم نورية رمعون بن غبريط إلى إدراج العامية أو الدارجة في مناهج تعليم تلاميذ المستوى التحضيري ومدارس التعليم الأساسي بدعوى ضعف مستوى التلاميذ في اللغة العربية بسبب صعوبتها، وما الهدف حسبها إلاّ تحضير التلاميذ تدريجيا حتى يتمكنوا من استيعاب اللغة العربية لاحقا. ثم أعطت مثالا غريبا عجيبا، ادعت فيه بأن إحدى «دراساتها» أفادت بأن تلاميذ إحدى الولايات الذين يدرسون في المدارس القرآنية قبل الالتحاق بالتعليم الرسمي يتحصلون على نتائج أضعف في اللّغة العربية مقارنة بغيرهم ومن هنا استنتجت الوزيرة العبقرية بأن المشكل يكمن في لغة القرآن– عذر أقبح من ذنب.
أولا، لا بد من الإشارة بأن هذه الحملة الخائبة ليست الأولى من نوعها، بل محاولة جديدة في سلسلة طويلة من المحاولات الفاشلة التي دأب عليها دعاة العلمانية والتغريب «حزب فرنسا» في الجزائر قصد العبث بمقومات الهوية الجزائرية الجامعة والتي تقوم على الدين الإسلامي ولغته العربية وأصوله الأمازيغية/العربية:
شعب الجزائر مسلم
وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله
أو قال مات فقد كذب
فلتعلم بن غبريط ومن وراءها بأنه في الجزائر ما زال القوم يعتقدون ويرددون:
الإســــلام ديننا
العربية لغتنا
الجزائر وطـــــــــننا
نتساءل ما هو المراد الحقيقي من وراء هذا القرار المرفوض جملة وتفصيلا؟ 
المراد هو تهميش اللّغة العربية – اللغة الرسمية للبلاد. نعم هم يسعون إلى تهميش اللغة العربية بزعم سهولة اللّهجات المحلية والمحافظة على «التراث» وعلى «اللّغة الجزائرية» وهم يرمون إلى تقسيم المقسم وتجزءة المجزء داخليا وفصل الجزائر عن محيطها الطبيعي – العربي/الإسلامي. دون الدخول في موضوع ماهية اللّغة، كيف لهذه «اللغة» المزعومة أن تكون «تراثا جزائريا»  ندرسه وكثير من كلماتها مستوردة من لغة المستعمر الفرنسي! وهل العامية التي يتحدث بها الشباب اليوم هي نفس العامية التي تحدث بها آباءهم من قبل؟ وهل العامية التي يتحدث بها أهل الحضر هي نفس العامية التي يتحدث بها أهل البادية؟ يفرطون في الأصل ويهتمون بالفرع، مع أن الدارجة أصلها أساسا اللّغة العربية ولكنها مشوبة بكثير من الكلمات الهجينة والمشوهة وأخرى أجنبية دخيلة وجُلها محرف. الدارجة ليست لغة، وإن رُقيت إلى مستوى اللّغة فستكون لغة رديئة آيلة إلى الفناء لا يتحسن مستواها ولا يحلو لسانها إلاّ بالعودة إلى أصولها وكلّما تتبعنا جذور هذه الأصول وجدناها عربية قحّة. أما هدفهم الرئيسي باللجوء إلى اللهجات المحلية فهو إعادة تثبيت اللغة الفرنسية، فهم يريدونها اللّغة الواصلة بين هته اللّهجات الهجينة والمختلفة والتي قد دمرتها الفرنسية أساسا خلال فترة الهمجية الاستعمارية.
ثم نسأل الوزيرة: عندما ندرس الدارجة: أي دارجة تلك التي سندرس أبناءنا؟ 
أمرٌ معلوم بأن الدارجة تختلف من منطقة إلى أخرى ومن ولاية إلى أخرى، بل ومن حي إلى حي آخر أحيانا. وتختلف بين جيل وآخر فالجيل الجديد مثلا أكثر استعمالاً للكلمات الفرنسية من كبار السن. هل ندرسهم بلهجةحي القصبة أم لهجة حي الحراش بالعاصمة أم لهجة حي الحمري بوهران؟ هل سندرسهم لهجة «أولاد البلاد» المائلة إلى العربية أم لهجة «لا تشي تشي» المفرنسة؟ أفيدينا سيدتي الوزيرة بشيء من علمك الغزير؟ وإن افترضنا بأن الوزيرة تعتزم تعليم كل منطقة وكل ولاية وكل بلدية لهجتها الخاصة بها (وهذا افتراض محالٌ تنفيذه أساسا) نتساءل، ماذا سنفعل بالمُدرسين الوافدين من مناطق ذات لهجات غير لهجات المناطق التي يدرسون بها ونفس الشيئ بالنسبة للتلاميذ؟ هل سنرحّلهم أم سنطردهم أم سنفرض عليهم تعلم لهجة المنطقة التي يدرسون بها؟ وإن ردوا بأنهم سيوحدون الدارجة ويضبطونها بمعايير، وهو أمر سيدخلنا في حروب جهوية، فقل لهم لا تتعبوا أنفسكم هذه اللّغة المقصودة موجودة ومضبوطة وثرية ورائجة وسامية وتسمى اللّغة العربية.
بكل بساطة، حتى وإن افترضنا حسن النية في هذا الطرح الغريب فتدريس الدارجة عبث لا منطق فيه وأمر مستحيل من الناحية التطبيقية واللوجيستية.
أمّا فيما يخص اللّغة العربية فهي لغة الجزائريين، لغة قرآننا، لسان رسولنا محمد ﷺ، لغة الصحابة والفاتحين، لغة أهل الجنة، لغة تاريخنا، لغة ثقافتنا الفنية والأدبية – لغتنا الحضارية. اللّغة العربية في الجزائر هي اللّغة الجامعة، مثلما هي كل اللّغات الكبرى في أوطانها، فاللّهجات المحلية ليست خصوصية جزائرية ففي فرنسا مثلا يوجد الكثير من اللّهجات المحلية ولكن ما يدرس في المؤسسات التعليمية وما يروج له وما يدعم حكوميا هو اللّغة الفرنسية الرسمية التي تجمع كل الفرنسيين وكذلك الأمر في دول كثيرة في العالم.
اللغة العربية في الجزائر في دارها وتعليمها أمر غير قابل للنقاش أبدا. هي اللغة الرسمية بمقتضي دستور البلاد منذ الاستقلال. اللّغة العربية ركن من الثوابت الوطنية التي تم إعادة إقامتها بعد طرد الاستعمار الفرنسي الذي حظر تعليمها بمناسبة «الاحتفالات المئوية لاحتلال فرنسا للجزائر – سنة 1930». فكيف بعد أكثر من خمسين سنة من تحقيق الاستقلال وإخراج فرنسا من أرضنا تتجرأ وزيرة جزائرية على اللّغة العربية؟
إذا كان أمر لا بد من معالجته فهو الانفصام الحضاري الذي يعاني منه كثير من المسؤولين في بلادنا، كثير منهم يفضلون استخدام اللغة الفرنسية في أعمالهم الرسمية في مخالفة صريحة وفجة للدستور الجزائري الذي ينص على أن اللّغة العربية هي اللّغة الرسمية كما أسلفنا ذكره. أولئك هم من يحتاجون إلى توصيات تفرض عليهم تعلم لغتهم الرسمية واستعمالها في شؤون الدولة الجزائرية التي يمولها المواطنون الجزائريون، الذين قطعا يرفضون تحدث المسؤولين بلغة عربية ركيكة أو بلغة المستعمر. ثم على المسؤولين أن يطبقوا الدستور على مستوى مؤسساتهم ويدعمون التعريب ويصبحون قدوة لمأموريهم ويشجعون المواطنين على التعريب لتوحيد اللّسان والرفع من المستوى الثقافي والفني الذي يجمع الملاحظون بأنه أدرك الدرك الأسفل. 
المشكل لا يكمن في اللغة العربية ولا في صعوبتها كما يزعم هؤلاء، فاللغة العربية أكثر رواجا من اللهجات المحلية بل وحتى الفرنسية. أما الاعتذار بضرورة استعمال الفرنسية في المجالات التقنية فهذه فرية كبيرة إذ أن العالم يجمع على استعمال اللّغة الإنجليزية في المجالات التقنية، الأمر الذي يفضح تشبث المسؤولين بلغة فولتار التي غزتها الإنجليزية في عقر دارها ولم تعد تصدر بها البحوث العلمية والاختراعات ووسائل التكنولوجيا العصرية ويترجم إليها مثلما يترجم إلى العربية بل أحيانا أقل. ضعف مستوى اللّغة العربية عند التلاميذ والطلاب يرجع إلى عدم الانسجام بين المناهج عبر المراحل التعليمية ثم المجالات الحياتية الأخرى، إذ نلاحظ حصاراً وتهميشا للغة العربية يبدأ من المرحلة الجامعية ثم يمتد إلى عالم الإدارة والشغل.

السبت، 20 جويلية 2013

الانقلاب على مرسي

إن الانقلاب العسكري الجبان الذي قام به القائد العام للقوات المسلحة المصرية الفريق عبد الفتاح السيسي على قائده الأعلى الذي عيّنه، الرئيس المنتخب محمد مرسي، هو في الحقيقة خير على هذه الأمّة بحيث اتضحت الكثير من الأمور وتأكدت أمور أخرى. أول درس من هذا الانقلاب هو تدبّر الآية ١٢٠ من سورة البقرة (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)، بحيث رأينا الرئيس محمد مرسي المنتخب ينتهج الديمقراطية حرفياً ويحافظ على المعاهدات الجائرة مع الكيان الصهيوني ويسمح بحرية التعبير ويدعو إلى الحوار معارضين فشلة، وبالرغم من هذا كله سمي ديكتاتورا ومستبدا وفاشيا، رغم أنه لم يعتقل أحد ولم يقتل أحدا بأمر منه. لم نرى بلدا غربيا واحدا يندد بالانقلاب أو حتى يسمي ما حدث بالانقلاب، لأن الانقلابات في الدول الإسلامية لا يعتبرونها انقلابات بل تصحيحات ثورية وعمليات إنقاذ للجمهورية. الآن على كل حزب إسلامي يفوز بالانتخابات أن لا يرحم العلمانيين ويطبق عليهم القانون دون أن يكترث لما يقوله الغرب وكلابهم في الداخل. نحن إرهابيون ورجعيون بالنسبة إليهم مهما فعلنا، فلنحقق البرامج التي انتخبنا الشعب من أجلها حسب ديننا وثقافتنا وليقولوا ما يشاؤون. ثم لا بد من إنهاء سياسة المهادنة والموائمة مع العلمانيين، لا كلام معهم إلاّ حسب تمثيلهم في الشارع. إذا الأغلبية أرادت الشريعة فليكن ذلك ولتذهب القوى العالمية والأمم المتحدة إلى الجحيم، ما دمنا نراعي تعليماتنا الإسلامية ولا نظلم الناس ونعدل بينهم. شكرا مرسي لأنك عريتهم، ربما ستعود وربما لن تعود ولكن الإسلام حاكم بإذن الله بالرغم من أنوف العلمانيين الخونة الانقلابيين الذين فشلوا في الانتخابات فسرقوا السلطة بسلاح العسكر وعينوا من طرفهم. في الأخير أريد أن أصرح بأن الإعلام المصري أحقر وأنذل إعلام في العالم في هذه الفترة.

الثلاثاء، 4 جوان 2013

المقاومة غدرت بنا نحن الذين آمنا بها

في تاريخ المسلمين والعرب الحديث - ما قبل الثورات العربية وما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر - كانت سورية وشريكيها إيران وحزب الله يمثلون تيار الممانعة في المشرق، بحيث رفض هؤلاء ولو بتفاوت الانبطاح للسيطرة الأمريكية المطلقة على المنطقة وقاموا وبتفاوت أيضاً بكبح الأطماع الغربية والصهيونية والرد على اعتداءات الكيان الصهيوني أحيانا. رغم الاختلاف المذهبي بين هؤلاء والسواد الأعظم من المسلمين والعرب، إلاّ أن الأمة في أغلبها كانت تفتخر بهم وتعتز بهم وتفرح لانتصاراتهم وتحامي عليهم وتدافع عنهم أمام العالم.

بالنسبة لسورية بشار الأسد، لم تكن نشطة عسكريا ضد أعداء الأمة مقارنة بإيران وحزب الله، إلا أنها تكفلت بالدعم اللوجستي بنقل السلاح من إيران إلى حزب الله والفصائل الفلسطينية، سلاحٌ استعمل للرد على عدو الأمة الأول والأخير -الكيان الصهيوني-، ضف إلى ذلك إيواءها للمجاهدين الفلسطينيين، في وقت كان أغلب العرب قاب قوسين أو أدنى من إعلانهم مجموعات إرهابية. دون أن ننسى مساهمة الدولة السورية الكبيرة في دفع التغريب والإعتناء بلغة الضاد واستعمالها في كل المجالات بما في ذلك الدراسات العليا وحتى التقنية والعلمية منها، ولو أنها نشرت الفكر البعثي وحاصرت الدين. بطبيعة الحال كان ذلك كله مزاوجا بقهر وظلم في حق الشعب السوري، مثله مثل أغلب شعوب الوطن العربي، لكن تبقى سورية بشار الأسد حينها أقلّ انبطاحا من ملوك وأمراء الجزيرة العربية، فرعون مصر وباقي طغاة العرب والمسلمين.

أما حزب الله فكان سيف من سيوف الأمة على صهيون ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، ومن فعل فهو على طائفية بشار والمالكي ونصر الله ذاته. حزب الله استرد أرض لبنان المحتلة ولم يتفاوض إلا بالندية، بل وأقول صفع كيان صهيون صفعة لن ينساهى في حرب أوت 2006، ومن يقول بأن ذلك تمثيلية فمخطئ فإن مثّل حزب الله حسب هؤلاء فصهيون لا تمثل في مقتل 121 جندي و44 محتل. رغم استقواء الحزب على شركائه اللبنانيين منذ تلك المعركة الفاصلة، إلا أن الأمة كانت ترى في حزب الله وقائدها نصر الله رجالا في زمن النعاج وغضت الطرف عن تجاوزاتهم عن عمد لأنها تحسن التقدير ولا ترى العالم بمنظور واشنطن الطائفي.

أما الجمهورية الإسلامية في إيران وإلى يوم الناس هذا فهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي قد نقول يحكمها شعبها حسب عقيدته ومذهبه وبالرغم من العداء العالمي الموجه إليها والحظر الإقتصادي المفروض عليها منذ إسقاط كلب الغرب في طهران – الشاه محمد رضا بهلوي، إلاّ أن إيران اليوم تصنع سلاحا وتنتج طاقة ذرية وبرامج كمبيوتر وغير ذلك كثير ولم نسمع عنهم يتذللون ويطلبون المساعدات من الغرب كما يفعل حكام العرب. كما أنهم فخورون بإسلامهم ولم يخفوا يوما دعمهم لقضية الأمة - فلسطين - (حتى وإن صحّ تشكيك البعض بأن في الأمر مصلحة) بالمال والسلاح والإعلام، بل ودفعوا ضرائب باهظة بسبب ذلك والعالم كله شاهد على ذلك

هذا صحيح ولكن ما يحدث في الشام اليوم كذلك صحيح.

حرق البوعزيزي نفسه فغضبت تونس وخلعت بن علي. سمع بها ميدان التحرير فتذكر جور مبارك وخيانته فحشد له أبناء الكنانة وطردوه على الملأ ثم حبسوه. فرحت اليمن فخرجت عن بكرة أبيها ونحّت ظابط واشنطن في صنعاء. ضحك القذافي فكشرت بن غازي، فرد عليها بالذبح والسبي، سالت الدماء في ليبيا فاستغل الناتو جبن وغباء القذافي وضُرّ الدم والعرض في الشعب فدمر جزءً كبيرا من ليبيا ومات قوم كثير من الطرفين وفي الأخيرقتل القذافي وتحررت ليبيا منه وهي مقيدة لا تزال جراء الحرب وآثارها. انتفضت البحرين إلاّ أن بطش آل سعود وملك واشنطن في المنامة ونفوذهم كان أقدر وأنجع. أرض الإسلام كلها في حراك والكلّ في الحكم يهادن ويصالح، يجازف ويمكر. المؤكد أن حكام المسلمين خائفون والرعشة تسكن ظلمة صدورهم. 

خرج أحرار الشام في درعة يطالبون بإصلاح أحوالهم فرد عليهم زبانية بشار بتعذيب أطفالهم واستئصال حياتهم عبر قطع أعضاءهم التناسلية، خرجت الشام صابرة مصممة على الإصلاح، فظننا أن بشار ذكي كما بدا لنا أو ماكر على الأقل، لعله يستجيب لبعض المطالب وينصح جنده بشد أيديهم النجسة عن شعبه، إلاّ أنه طغى وتكبر وأمر بقطع شأفة كل من جاهد بكلمة الحق في وجه الجور والبغي، بل أمر بقهر الشعب كله بداعي المؤامرة الخارجية وهي موجودة فعلا ولكنه غفل عن أن نظامه ساهم بقدر كبير ببطشه في تطوير المؤامرة وإكثار الفاعلين فيها وهو ما يلغي احتجاجه بالدفاع عن سيادة سورية ووحدتها الترابية.

بدأت شرائط الوحشية تملأ الشاشات ... تعذيب واغتصاب وقتل، كفر وإلحاد وطغيان، إفساد وحرق وقصف ... آلام ودموع وتيه. بعد صبر عظيم ومظاهرات سلمية دامت نصف سنة وأمام عزم النظام على حلّ الأزمة بالقضاء على أحد أطرافها، لم يبقى من خيار إلاّ الدفاع عن النفس والعرض، فحمل الأحرار المجاهدون حقاً ما تمكنوا منه من أسلحة خفيفة ليتبعهم الأحرار من المنشقين عن الجيش النظامي، حتى يكفوا بشار وجنده وشبيحته عن الشعب السوري الأعزل، إلاّ أن هذا التطور الخطير لم يغيّر من طُرق النظام في شيء ولم يشجعه على التواضع لشعبه والمحافظة على وحدة أرض سورية والتوصل إلى وفاق تتحقق من خلاله مطالب الشعب المشروعة وبالتالي قص الطريق عن التدخل الغربي والصهيوني الذي يتآمر على سورية فعلاً وواقعاً وحلّ الأزمة سورياً بين أبناء الوطن الواحد أو بدعم إيجابي ومحايد للأطراف الإسلامية المحيطة بسورية، بل دَفَعَهُ إلى اتخاذ سياسة الأرض المحروقة بتكثيف المجازر في حق الأبرياء وتطبيق العقاب الجماعي بقصف المدن والقرى بالطائرات وقد استعمل أسلحة كيميائية محظورة حسب بعض التقارير. 

في وضع حرج كهذا، اعتقدنا أن إيران، بداعي أنها دولة إسلامية تريد تحرير فلسطين وخفض التأثير الغربي على المنطقة وتسعى إلى التعايش البناء مع جيرانها المسلمين السنة الكثر، قد تقدر المصلحة العليا للأمة وتنصح بشار بإيجاد حل وسط بينه وبين شعبه يحفظ سلامته ويسلم الأمر إلى أصحابه الشرعيين – أهل الشام الأحرار المجاهدين، وجدناها في الأول متحفظة، ثم داعمة ومدافعة عن الوحشية «الأسدية» وها هي اليوم تبعث بالمقاتلين والخبراء العسكريين لقتل الشعب في سورية وانتهاك عرضه وتشريده. لن نرضى هذا، ليس لأنكم شيعة وليس كونكم ارتضيتم ولاية الفقيه، بل وليس حتى بسبب دفاعكم عن نفوذهم في بلاد الشام، بل لأنكم أهدرتم دماء إخواننا لأنهم أرادوا أن يتمتعوا بشيء من الحرية ويحكمون أنفسهم حسب إجماعهم كما تفعلون أنتم ولأنكم أيضاً تشاركون بتدخلكم هذا في تشتيت الأمة ودعم المشروع الغربي والصهيوني الرامي إلى إضعافها حدّ التقامها لقمةً لقمة، أنتم هم الطائفيون لأنكم ناصرتم أصحاب مذهبكم، ليس بنصحهم بالكف عن عدوانهم، بل بمشاركتهم فيه. أليس فيكم رجل رشيد؟ خسئتم.

أما نصر الله الذي ظنناه بأنه يعي الوضعية الحساسة التي يقع فيها و ما يكده له المتربصون به في لبنان وبلاد الخليج وفي الجنوب وقد يعلم بأن الشعوب العربية والإسلامية لا تخذل الرجال ولا تبيعهم للعدا، على أن يكونوا رجالاً فعلاً ويناصرون الحق أينما كان وإن عند العدا، لكنه لا أقول خذلنا بل غدرنا، لأننا حقاً رأينا فيه في وقت مضى جندياً من جند محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه طعننا في ظهورنا عندما سلّ سيفه على من كانوا حضناً له وسنداً له، بل وأقول من أحبوه صدقاً ونصروه فعلاً. هذا، وقلنا: محال أنّ حزب الله يخلوا من رجال يقفون مع الحق وينصحون قائدهم لليِّه عن عدوانه ولكننا لم نسمع أحاً. 

ظننا أنّ أهل الشام آمنون بين إخوتهم ولكنكم أصحاب العمائم السوداء غدرتم بهم وبنا. نحن لسنا تكفيريون كما يزعم نصر الله، بل نحب ونعتقد بإسلام بكل من يشهد بلا إله إلاّ الله وبأنّ محمداً رسول الله وأنتم كذلك. رغم الجرح العميق، إلاّ أننا نأمل رجعةً منكم إلى الحق تحقن دماء المسلمين منّا ومنكم، وإن أصررتم وأنتم كذلك تفعلون، فنشكوا الله منكم وهو أقدر عليكم وأكبر وندعوا بعد ذلك كل قادر من المسلمين والأحرار في العالم، الراغبين حقاً في مناصرة السوريين ورفع الظلم عنهم أن ينتصروا لهؤلاء المستضعفين في الأرض ورد الأمر إليهم، فهم أهله أصلاً وفي الأخير أقول «دوام الحال من المحال»، أهل الشام أهل حق والباطل زهوق.

السبت، 23 مارس 2013

لا بدّ من ثورة إسلامية في مصر

مصر الثورة أصبحت مصر البلطجة. سحلٌ وضربٌ وقتلٌ وحرقٌ وتدمير. سِبابٌ واستهزاءٌ واستكبار. كذبٌ وتدليسٌ وتزييفٌ وهراء. إخلافٌ وخداعٌ ونصبٌ ومكر. مصر الوسطية الإسلامية وقلب العروبة تُطعنُ برماح الكفر والتغريب. المشكلة ليست سياسية، المشكلة فكرية  عقائدية. هي حربٌ بين الإسلام وأعدائه الذين ينتسبون إليه ومن يوالون واشنطن وتل أبيب وعواصم أخرى عربية للأسف.

من أجل استمرار استنزاف مقدرات الأمّة وبقاء ملوكٍ وأمراء وحكام لم يعوا بعد بأنّ ثورة الأمّة هذه، انفجرت ضدّهم وضدّ من سبقوهم إلى مهانة الخلع والإعدام والطرد. من أجل استمرار الإذعان لواشنطن ومهادنة صهيون. من أجل استمرار قضاء "التليفون" وقهر الشعب وذلّه. من أجل حجز الكرامة واستباحة ما حرّم الله من دماءٍ وأموالٍ وأعراض. من أجل هذا ومثله تُحارب مصر اليوم. أصبح من يتبع سنّة رسول الله صلّىٰ الله عليه وسلم في مظهره وحركته، يُعتدى عليه في شوارع مصر وأزقتها.

كفروا بالإنسانية، قبل الديموقراطية.

هم يريدون الأرض ومن عليها صاغراً، مذعنناً، قابلاً بفكرهم، الذي هو ليس حتّى من خواطرهم هُم، بل مستوردٌ ومعلّبٌ حسب هوى واشنطن وليس حسب رؤى زكي في بور سعيد وإخوانه في كل بقعة من أرض مصر وبلاد الإسلام. هم الثورة المضادة بحقّ. هم الإعلام في سواده. إعلامٌ منحطُّ الأخلاق، فاقدٌ للمصداقية، يقلب الصدق كذباً ويقلب الكذب حقّاً. هم جبهة الإنقاذ برمتها، الملطخة أيادي كل فردٍ فيها بدماء المصريين. هم أغلب شباب الثورة "المُتَعَلْمِنْ"، الذي كثيرٌ منهم طعنوا الثورة في ظهرها ومشوا يداً بيد مع بلطجية الدولة العميقة، المرتزقة. هم رجال الأعمال وملاّك القنوات الفضائية، الذين لم يشبعوا بعد من مصّ دماء المصريين الضعفاء ولا يريدون لدولة العدل والقانون مقاما. هم النخبة المستعلية على عوام الناس في شعبها. نخبةٌ تجحد الحقّ وتعبد الشهوات وتحلّل المحرمات وتشيع الفاحشة وتهدم الدين. هم قطاعات واسعة في الأجهزة الأمنية، التي لا تزال توالي مبارك وتخاف يوم حسابها مع شعبها عمّا اقترفته بأيديها من قتل وتعذيب ونهب. هم أعداء الله، المفسدون في الأرض.

الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين ارتأوا ضبط النفس والفصح عن المفسدين، قصد لمّ الشمل والمضي قدُماً في استكمال بناء مؤسسات الدولة وتطبيق الدستور الجديد على فعاليات الواقع المعاش. لكنهم يبدون بأنّهم لم يزنوا جيداً خصومهم ولم يقيسوا حجم حقدهم عليهم ومكرهم وتربصهم بهم. هم يظنون أنّ هؤلاء سيضمحلون مع مرور الوقت ونفاد أموالهم، لكن الحقيقة أن ذلك وإن حدث فسيصطحبُ بفتنة بين أبناء الوطن وخرابٍ عظيمٍ في مصر. سيجعل تحقيق مشروع النهضة أو أيّ مشروعٍ تنموي آخر صعباً جدّاً في المدى المتوسط وبالتالي لن يعيش من حقق السلاك والفرج لهذه الأمة من براثين الغرب وخدّامه من أبناء جلدتنا، لكي يروا أمّتهم منتصبة الشأن، ملجئاً للمظلومين وصرحاً للعدل، تبني مجدها من جديد باستغلال خيراتها حسب أجندتها هي وليس أجندة الغرب والشرق.

معلومٌ أنّ مرسي لا يسيطر على جزء كبير من دوائر السلطة في مصر وعلى رأسها القضاء والأجهزة الأمنية والإعلام وبالتالي فمن يطلبون منه الردّ على إجرام المعارضة وبلطجتها واهمون ضرباًً من الخيال. الردّ لن يكون إلاّ شعبياً وباتحاد من انتُخبوا شعبيا بعد الثورة على الشرعية وهم في الغالب من التيار الإسلامي.

الشعب يريد الشريعة الإسلامية والشريعة لن تأتي بالأغلبية ولا بالحوار والوفاق مع هؤلاء المجرمين الخونة. يقولون ما تعنون بالشريعة، فنقول تطبيق العدل بين الناس وسياسة حياتهم بما يتماشى وقرآننا وسنتنا وتفسيرات ورؤى وفتاوى علماء الأمّة المجمع عليهم والمشهود لإيمانهم وحكمتهم ووسطيتهم، بشكل تدريجي يراعي قدرة احتمال الأمة في واقعها هذا ويراعي مصالحها داخلياً وخارجيًا. هذه الشريعة تسمح باختلاف الآراء وحرية التعبير والمعتقد والإمتلاك والحريات الخاصة وغيرها من الحقوق التي أحقّها الشارع لعباده ولكنها لا تسمح بالاعتداء على دين الأمّة وأهلها ومن سكنوا أرضها باختلاف ألسنتهم وأعراقهم وأديانهم. لا مكان للخونة العملاء في دولة الإسلام. اليوم اعتدوا على المساجد ووطؤوا المصاحف بأقدامهم النجسة وحرقوا لحى عباد الله، غداً سيسبون نبينا وأصحابه وقد سبّوا العلماء الصادقين ونهشوا لحومهم. هي حرب على الهوية. لا بدّ من ثورة إسلامية تعيد الأمة إلى قيادة مركبها أولائك الشرفا،ء الذين حفظوا ذاكرتها وعملوا على بقاءها وضحوا من أجل ذلك واليوم يريدون خدمتها وإعلاء شأنها بصدق ووفاء وتقوة. ليس في يد الرئيس مرسي الكثير من الوقت، رغم إقرار الجميع بوضعيته الحرجة والحسّاسة، إلاّ أنه يبقى مسؤولا عمّا يحدث وبالتالي عليه وأد هذه الفتنة وإلاّ فلن يتبقى ممّن لا يريدون إعادة ما حدث في الجزائر والعراق وما يحدث في سورية اليوم على أرض مصر تاج الأمّة، لن يتبقى خيارٌ إلاّ النزول إلى الشارع وكف أذى هؤلاء المجرمين الخونة قبل فوات الأوان وضياع مصر في الفوضى وهي قد رأت بدايتها بحق.

والله من وراء القصد

السبت، 19 جانفي 2013

خمسون عاما

خمسون عاما، ذلك عمر الجزائر "المستقلة". استقلال جاء على إثر ثورة مسلحة أعلنها مجموعة من شباب الجزائر الوطنيين الشجعان لكي تتحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي الذي دام مئة وإثنين وثلاثون عاما وتقيم جمهورية جزائرية ديمقراطية شعبية في إطار المبادئ الإسلامية وتعيد بذلك الجزائر إلى محيطها الحضاري العربي-الإسلامي، حسب بيان أول نوفمبر 1954. البيان الذي أقره الجزائريون وجاهدوا وضحوا بمليون ونصف المليون من الشهداء من أجل تحقيق أهدافه. ناهيك عن ملايين أخرى قضت جهاداً، قتلاً، مرضاً وجوعاً منذ بداية الاستدمار الفرنسي لأرض الجزائر عام 1830. استقلت الجزائر يوم 5 جويلية 1962، خرجت القوات الفرنسية وصار رئيس الجزائر إسمه أحمد بدل الأسماء الفرنسية التي تعاقبت على حكم الجزائر، باعتبارها محافظة "فرنسية". لكن الجمهورية لم تقم ولا الديمقراطية اتُخذت طريقا لاختيار الحكام ولا كان للشعب أيّ دور حقيقي في اختيار أيّاً من رؤساء الجزائر أو غيرهم الذين من المفروض انتخابهم. أما وضع الكل في إطار المبادئ الإسلامية والعودة بالجزائر إلى طبيعتها العربية الإسلامية فذلك لم يحدث إلا سطحيا، على مستوى الدولة والمجتمع معاً وحين طالب البعض بتصحيح الأمور والمحافظة على عهد نوفمبر، فُتحت لهم السجون وأُعيدت ممارسة الكهرباء و"الشيفون" (الإيهام بالغرق) وغيرها من ألوان التعذيب الهمجية عليهم كما مورست على آبائهم من قبل ولكن هذه المرة على أيدي أبناء جلدتهم. ثم إن أكبر مصائب الجزائر حدثت بسبب مطالبة الشعب بتحقيق مطالبه التاريخية واختيار ممثليه حين فُتح المجال السياسي لفترة وجيزة عقب مظاهرات 5 أكتوبر 1988. هذا كله تاريخ بالنسبة إليَّ وإلى أقراني من الشباب الجزائري اليوم. تربى جيلنا الذي أمضى طفولته ومراهقته وهو يرى أهله وأبناء بلده يتقاتلون بهمجية يستحي لها شبيحة الأسد ومرتزقة القذافي. كان أولياؤنا ينهوننا عن الخوض في السياسة والتكلم في أخبار وطننا المؤلمة. كبرنا ونحن غير مهتمين بالسياسة ولا رأي لنا في مستقبل بلدٍ قيل لنا بأن أجدادنا ضحّوا وصنعوا الملاحم لكي نعيش فيه أحراراً. حرص أولياؤنا على أن نهتم بالدراسة لأنها هي سلاكنا الوحيد حسبهم. مرت الأيام والسنين وألفنا القتل، حتى صار الموت لا يخيفنا، ثم فجأة قلّ الموت وجاء لنا أصحاب القرار برجل لا نعرفه، بدا طيباً في الأول، إلا أنه لم يبطئ علينا وكشف لنا عن حبه للكرسي وعدم احترامه للدستور واعتماده على الولاء بدل الكفاءة ومواءمة المجرمين ومداهنتهم، بل وحتى عقد الصفقات معهم. قيل لنا هذه المرة بأنه تجب علينا المصالحة من أجل الجزائر، ثم عَفَوْا عمن عفوا وأملَوْا على "صحافتنا" و"نخبتنا" موجزاً عمّا حدث وأعلنوا عن "الأبطال" المقدّسين الذين "أنقذوا" الجمهورية وعن "الإرهابيين" الذين عاثوا في الأرض فسادا و"لطخوا" صورة الإسلام ونقاوته. قالوا لنا: اطووا الصفحة وانسوا موتاكم وعذاباتكم. لم نبالي بشيء وهممنا بالجري وراء تحقيق قوتنا وضمان مستقبلنا، لكن الأيام أظهرت لنا بأن ذلك كذلك مستحيل في بلادنا. أصحاب القرار حققوا فعلا دولة بينهم وتركوا لنا الجغرافية التي لم ترقى لذوقهم -بعد- لكي نتحارب فيها من أجل الفتات. لا أخلاقنا نفعتنا ولا شهاداتنا العلمية. ماذا نفعل؟ الجبال موجودة والبحر موجود والشارع موجود. مات منا الكثير، تغرب منا الكثير، ضاع منا الكثير ومن بقيَ منا اليوم وهم كثر (والحمد لله) يحاولون تحقيق البقاء بالعيش عكس طموحاتنا والرضوخ لواقع غاب عنه العدل، أحلّت فيه الرشوة وفُرضت فيه الوساطة والمحسوبية. جاءت الثورات العربية وتحرّكت في صدورنا مشاعر الجهاد (نرفض أن نُمنع من استعمال مصطلحاتنا لأن غيرنا لا تعجبهم) والعزيمة، إلاّ أننا تراجعنا حتى نترك الأرض تجِّفُ من دماء ما يقارب ربع مليون شهيد سقطوا في العشرية المدمرة غدراً في مجملهم، بسبب قرارٍ اتخذته عصابةٌ أثبت الواقع بأنها فشلت فشلا ذريعا في إقامة الجمهورية، دع عنك زعمها حمايتها وإنقاذها. عصابة تأكد كل من له عينين بأنه لا هدف لديها سوى خدمة مصالحها الضيقة. ثم لقد شهد التاريخ على عدد كبير من أعضاءها وهم معروفون لدى الشعب الجزائري بخيانتهم وعمالتهم للمستعمر أثناء الثورة وبعدها ومحاربتهم لأيّ محاولة لتحقيق أهداف بيان أول نوفمبر، هذا دون الخوض في جرائمهم الشيطانية لاحقا في التسعينات والألفينات. قد يأتي البعض ويرد علينا ماذا عن النجاحات التي حققها النظام على مستوى التعليم والبناء والتشييد وتمثيل الجزائر في المحافل الدولية؟ نقول بأننا لا ننكر الخطوات المهمة التي قطعتها بلادنا فيما يخص العدالة الاجتماعية، مقارنة بحال أسلافنا في ظل الإستعمار المقيت. كما أننا لا نؤمن بأن الاستعمار أفضل من حكم حزبه ولو تفوه بعضنا بذلك أحيانا في ضعف وعن غضب. ثم إننا لا ننكر تحقيق مشاريع كثيرة ناجحة نسبياً ولكن الفضل يعود في الحقيقة للنفط والغاز اللذان تكرم الله علينا بهما. ليس لأحد أن يتداعى ويتفاخر بشيء لو نظرنا إلى مدى غناء بلدنا بشعبه وخيراته وموقعه ومدى تخلفه مقارنة بدول أقلّ مالا ونفراً. ثم لا يمكننا أبدا أن ننسى الرجال والنساء المخلصين الوطنيين الصادقين في خدمة الجزائر والجزائريين، الذين شربوا الحنظل وعملوا في أجهزة هذا النظام وحاولوا قدر جهدهم أن يحققوا للجزائر خيراً في غفلةٍ عن أتباع حزب فرنسا. هذا كله، ثم ماذا؟ هو السؤال الذي يطرحه البعض: ماذا أنتم فاعلون؟ نحن اليوم، نبحث عن الحقيقة التي أبت جمهورية الصمت أن تأتينا بها. نحن اليوم، نقرأ تاريخنا ونحققه. نحن اليوم، نحاول بناء المجتمع الذي دُمر. نحن اليوم، جعلنا هدفا لنا، وهو تحقيق أهداف بيان أول نوفمبر كاملة وعلى رأسها إقامة دولة العدل المسؤولة، والتي يمتاز مواطنوها بحرية حقيقية في اختيار ممثليهم. هي دولة، نريد أن تمثل هويتنا (الإسلام، العروبة، الأمازيغية). نريد أن ترد الحقوق إلى ذويها. نريد أن يُنصف المظلوم، أن يلقي المفتون السلاح وأن يعود المغترب. نريد أن ينجح المتعلم، أن يسترزق العامل، أن يأكل الجائع وأن يلبس العريان.
أيا أبناء سيدي بوزيد، أيا أبناء ميدان التحرير، أيا أبناء بن غازي، أيا أبناء صنعاء، أيا أبناء درعا، أيا أبناء القدس، أيا أبناء العروبة والإسلام... أبناء الجزائر على خطاكم ولكنهم حسب ظروفهم أيضاً. ستسمعون منا بإذن الله ما يسرّكم. القضية ليست قضية خبز ولا قضية عمل، القضية أكبر وأجلّ، القضية قضية أمّة قررت بأن تمنح قيادتها لشبابها الذين يؤمنون بها، الذين يفتخرون بأمجادها ولديهم نظرة لمستقبلها. في الأخير، لا تنسوا إخواني وأخواتي أن الهدف هو أن ينطلق الواحد منا من تيطوان إلى بغداد (لا بد من الوقوف بالقدس) دون تأشيرة من أحد ودون إهانة من أحد. أرجوا أننا تعلمنا مما رأينا في عصرنا هذا بأن السبيل للتغير ورد الظلم هو العدة والاستعداد وليس التهور والجنون.

المصاغر

"مْصْغَرْ" كلمة عامية تستعمل في الجزائر العاصمة ونواحيها مساواةًً بكلمة شاب أو فتى. المصغر حسب تعريف الشارع هو شاب أنيق، خفيف الحركة، يحسن المسير في شوارع المدينة وأزقتها، مطّلعٌ على أسرارها وملمٌ بأخبارها، يعرف مناطقها وعناوين كل ما هو مهم. المصغر ليس بالمفرنس ولا بالملتزم، هو فصيل جديد أنبتته الجزائر المستقلة.
المصاغر (جمع مصغر) هم فيما مضى أطفال تربوا في زمن التناقضات، زمن الكفر والتكفير، زمن الظلم والإرهاب، زمن الشاب حسني والشيخ عمر الزاهي، زمن الجامع و"البارابول"، زمن الحُرمة وحديقة الحيوانات ببن عكنون، زمن الجنائز والحفلات، زمن الجبل و"الفلوكة"، زمن شبوطي وعنتر زوابري، زمن القنابل ومسابقات القرآن الكريم، زمن المجازر ومسابقة "سيدة" جمال الجزائر، زمن حلقات المسجد وسهرات الليالي، زمن الزطلة (السّطلة) وصلاة التراويح، زمن الفقر والحطّة ... زمن فن البقاء.
المصاغر اليوم جلهم نشطون، بعضهم تزوج وبعضهم حصل على عمل، بعضهم تغرّب وبعضهم استشهد، بعضهم سُجن وبعضهم وجد جيبا من جيوب الدولة ينتفع منه، آخرون تديّنوا وآخرون ابتدعوا، ... أصبحوا خليطا. للمصاغر أشقاءٌ أكثر عدداً وأكثر همًّا،
هؤلاء شباب السبعة وأربعون ولاية المتبقية من الجزائر. تربّوا هم الآخرين في زمن التناقضات وكبروا ليعرفوا نفس النتائج مع حظوظٍ أقل لمستقبل أفضل مما عاشوا في صباهم.
تغير القتل وتغيرت الموت في الجزائر. في السابق كان القتل وحشياً ومن أجل الأفكار والمواقف والاعتقادات، أمّا الموت فحقيقية ودائمة. اليوم القتل ناعم وعام، لاينجى منه المصاغر إلاّ إذا انظموا إلى طائفة les jeunes hommes، القليلة العدد الكثيرة النفوذ، سلالة الأقوياء في النظام، أمّا الموت فأصبح لا يمسّ الجسد ولا الروح بكثرة كما كان وإنّما الآمال والأحلام. 
المصاغر سينتهون إلى قيادة البلاد حتماً لأنّ الأمر طبيعي ولأنّهم الأكثرية، السؤال الذي يجب أن يطرح هو ماذا استخلص المصاغر من طفولتهم الأليمة وماذا سيفعلون حتى لا يعيش أولادهم ما عاشوه هم وهل وصلوا إلى حقيقة صلبة بعد شهادتهم على زمن التناقضات؟

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

لاَ طَرِيقَ إِلاَّ هَذِهْ

هي المعركة الحاسمة في مصر. بنو علمان يريدون الحكم ولو بالقوّة ويهدّدون بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر في حالة ما رُدَّ الأمر إلى الشعب «الأميّ». ماذا يريد هؤلاء؟ أليس هم من فرضوا علينا الديمقراطية فرضاً ومرّروها لنا بحجّة عدالتها ومزاياها المغرية من تساوٍ في الحقوق والواجبات والمواطنة والمساواة أمام القانون ونبذ الطبقية والعنصرية وغيرها من الخصال النّبيلة التي أثبتت الأيّام أنّهم لا يؤمنون بها حقّاً وما الشعب بالنسبة إليهم إلاّ قطيعٌ من الأغنام ظنّوا بأنّهم قادرين على توجيهها ناحية اليمين وناحية اليسار بما تهوى قلوبهم، عبر آلتهم الإعلامية الجبّارة ورجالاتهم في مواقع الدولة الحسّاسة وممّوليهم من أصحاب الجيوب العميقة، ممّن يدعّمونهم، ليس حباً فيهم، بل استغلالاً لهم للحفاظ على ما نهبوه من الأرزاق ومازالوا، واستمراراً لدار لقمان على حالها في آرجاء الدولة العميقة، التي أبانت هذه الأيام عن قوّتها البطّاشة وخبثها الجبان. الأمر جدّ حسّاس، بحيث وضعت هذه الأحداث التيّار الإسلامي الوسطي الذي تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين في وضعية جدُّ حرجة. فوزهم في الانتاخابات الحرّة والنزيهة واعتلائهم سدّة الحكم لم تسمح لهم ببدأ تطبيق مشروعهم الذي انتُخِبوا من أجله. هذا التيّار الذي مدّ يده نحو العلمانيين رغم أنّ الكثير منهم استئصاليون بطبيعتهم، ورغم ثبوت العديد من الشواهد على غدرهم وإصرارهم على تربص الدوائر بالنظام المنتخب شعبياً. لقد توجّه الجناح الاستئصالي إلى العنف والفوضى، بعد أن فشل في إقناع غالبية الجماهير، قصد إحداث الطلاق بينهم وبين الإسلاميين بنشر الأكاذيب عنهم واتخاذ سياسة الكيل بمكايلين عند مناقشة قضاياهم. لقد وجدَ هؤلاء الرويبضة طريقاً غير الصندوق وهم سالكوها إلى أن يبلغوا أهدافهم التي تنتهي عند إفشال المشروع الإسلامي بأيّ طريقة كانت ولو بالخديعة والعنف. المصيبة التي تواجه التيار الوسطي اليوم وخاصة إذا نال منه بنو علمان وجعلوا فترته في الحكم فترةَ تأمين وإطفاء حرائق بدل فترة تطهير وبناء، هي كيفية إيقاف زحف التيّار المتشدد والذي له تحفّظات كثيرة ومعلنة عن النظام الديمقراطي برمّته. هذا التيّار الذي يمثّله السلفيون العلميون والجهاديون والذين حذّروا مراراً من العلمانيين ونادوا بإقصائهم، بسبب معاداتهم لدين الأمّة وانكارهم لماضيها المجيد وتواطء العديد منهم مع النظم المستبدة السابقة وتبريرهم لجرائمها. المتشدّدون سيقولون بعد أن تُفشل الأنظمة الوسطية «ألم نقل لكم؟» وسيحوّلون خطابهم إلى نسخته الأصلية وهي المناداة بإقامة دولة إسلامية بالمفهوم التقليدي والتاريخي، لا يعلو فيها شيء فوق كلمة الله. هذه الدولة التي ينادي بها الكثيرون لا نظنها بالدولة التي ستسمح لبنو علمان باعتلاء منبر ولو منبر المعارضة. ما يجب أن يتخوّف منه العلمانيون ليس مرسي ولا الجبالي ولا بن كيران، إذ أنّ هؤلاء قومٌ علّمتهم محن الأيام بأنّ التغيير يتطلّب الصبر والتضحية وهم على استعداد لتلقي اللّكمات من أجل الوطن والمشروع النهضوي، وإنّما عليهم الخوف من قومٍ ليس لهم من الصبر الكثير ولا يتشدقون بأرواحهم في سبيل ربهم. أخاف أن يدفع هؤلاء المهزومين اليائسين شعوبهم إلى الكفر بديمقراطيتهم كما كفروا بها هم من قبل. لا طريق سوى هذه، إلاّ طريقٌ هم ممنوعون من العبور فيها بآرائهم ومناهجهم الحالية. عليهم أن يتقّوا الله في أوطانهم وأن يحترموا شعوبهم. شعوبهم ليست بالأميّة ولكن بالمظلومة، ليست بالجهّلة بل بالعاقّلة، هم لا يريدون رفعةً ولا مصلحةً إلّا لأوطانهم. خلّوا بينهم وبين مستقبلهم حتى لا يجعلوكم في ماضيهم ويقصونكم من حاضرهم.

الأحد، 9 ديسمبر 2012

مرسي والمتطرفون العلمانيون

سالت الدماء في شوارع مصر وانقسم الشارع إلى أقلية علمانية تبدو وكأنها الأكثرية بعلو صوت الآلة الإعلامية التي تمثلها وأكثرية إسلامية مرتبكة وقليلة الخبرة في الحكم. بدأت الأحداث ميدانيا بإصدار الرئيس محمد مرسي إعلانًا دستوريًا مؤقتًا يسرع بموجبه المرحلة الانتقالية التي طالت وعطّلت التقدم والإنتاج في مصر. الإعلان تضمّن مطالب ثورية كإقالة النائب العام المعين من طرف الرئيس المخلوع حسني مبارك وإعادة محاكمة المتهمين في قتل الثوار أثناء الثورة في حال ظهور أدلة جديدة تسمح بذلك، وقرارات ضرورية كانت استباقية من طرف الرئيس محمد مرسي قصد الحفاظ على ما تبقى من المؤسسات المنتخبة من الإلغاء من طرف المحكمة الدستورية العليا التي عيّن أعضاءها هم الآخرين المخلوع والتي أظهر بعض أعضاءها نيةً صريحة في إسقاط الجمعية التأسيسية للدستور وبالتالي تمديد الفترة الانتقالية فترة أطول لا نظنها في مصلحة مصر. خاصة وأنّ نفس هذه المحكمة كانت قد حلّت في الماضي أوّل مجلس نواب منتخب والجمعية التأسيسية الأولى التي انبثقت منه. هذا الإعلان أخرج المعارضة العلمانية إلى الشوارع ودفع بعض أطرافها للاتحاد مع العناصر القوية بالمال والبلطجة من النظام السابق، كُفرًا منهم بالديمقراطية التي أفرزت الإسلاميين في الحكم، بل أصبح البعض يطالب علنًا بإسقاط أول رئيس منتخب شعبيا في تاريخ مصر. 
الرئيس مرسي في الحقيقة ارتكب خطئًا فادحًا، وهو أنّه لم يسبق الإعلان الدستوري بعملية توعية إعلامية يتصل فيها مع عامة المواطنين وتحضيرهم لقراراته ولو بالتمويه، كما أنه لم يستشير ولم يحاور القوى العلمانية الشريفة كشباب الفصائل الثورية المتعددة. أمّا العلمانيون المتطرفون فهؤلاء لا مجال للحوار معهم لأن مشكلتهم الحقيقية ليست الإعلان الدستوري ولا الدستور بل المشروع الإسلامي برمته سواءً كان معتدلاً كالذي يمثله مرسي أو أكثر تشددًا كالذي يمثله السلفيون حلفاء الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. هم يرفضون الاستفتاء لأنهم وعلى أصابع (تغريدة على تويتر) أحد "مفكريهم" (الكاتب علاء الأسواني) يرون أن الغالبية "الأميّة" ستنتخب بنعم لا محالة و بالتالي لن يعتبروا خيار المشاركة إلاّ في حالة استبعاد هذه الشريحة. هنا نتساءل: أين ذهبت شعارات تساوي الحقوق والواجبات، المواطنة، الاحتكام إلى الشعب، الحرية والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات التي صدّعوا بها رؤوسنا لعقود من الزمن واستغلوها لكي يقنعونا بعدل منهجهم. هو استعلاء واضح على جموع الشعب المصري التي يدّعون تمثيلها وكفرٌ بواح بالديمقراطية التي فرضوها هم على الإسلاميين وأجبروهم على ممارستها. أمّا الغريب فعلاً فهو التناقض الفاحش في مواقف هؤلاء فيما يخص الأسباب المعلنة لرفضهم مسودة الدستور، هم يدّعون أن الوثيقة لم تحظى بالتوافق (علمًا بأن كل الأطراف العلمانية التي انسحبت قد أمضت على كل مادة من مواد الدستور) وفي نفس الوقت يرفضون الحوار الذي دعى إليه الرئيس، كيف لأطراف أن تتوافق وهي رافضة للحوار؟
أمّا الإسلاميون عمومًا في مصر، فأثبتت هذه الأزمة فشلهم فشلاً ذريعًا على المستوى الإعلامي، بحيث لا يمكننا أن نتفهم قلّة منابرهم الإعلامية وشحابتها فنيًا وتقنيًا، رغم قيام الثورة منذ ما يقارب العامين واختفاء آلة رقابة النظام السابق التي أخفتت أصواتهم وأخفت سيرتهم. 
لا خيار للرئيس مرسي إلاّ بالاحتكام إلى الشّعب والإسراع في القصاص للشهداء والمصابين في أحداث هذه الثورة العظيمة ومزاوجة ذلك بحملة تطهير نوعية وذكية لمؤسسات الدولة وإداراتها، لعلّه يجنب بلاده شرًا عظيمًا يحدق بها، لأنّ هؤلاء المتطرفون من العلمانيين لن يملّوا ولن يقبلوا بالواقع، حتّى يطيحوا به أو يعيثون في الأرض فسادًا ويجعلون تحقيقه لرؤيته أمرًا مستحيلاً وما حدث في الجزائر ليس ببعيد (شعبية الجبهة الإسلامية للإنقاذ ونتائجها في الانتخابات وقتها، فاقت شعبية الإخوان والسلفيين في مصر مجتمعين). ومن ثمة لا بد من اجتماع شرفاء مصر والشباب منهم خاصة على بناء وطنهم والاعتلاء به خدمة لهم ولأمتهم.

شاب جزائري