بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

مقطع من كتاب البخلاء للجاحظ (جمال العربية)

قد بلغت في البر منقطع التراب، وفي البحر أقصى مبلغ السفن، فلا عليك ألا ترى ذا القرنين...ولأنا أهدى من القطا ومن دعيمص ومن رافع المخشني قد بت بالقفر مع الغول. وتزوجت السعلاة، وجاوبت الهاتف، ورغت عن الجن إلى الجن، واصطدت الشق، وحاربت النسنان، وحبني الرئي، وعرفت خدع الكاهن وتدسيس العراف، وإلى ما يذهب الخطاط والعياف، وما يقول أصحاب الأكتاف، وعرفت التنجيم والزجر والطرف والفكر...إني قد لابست السلاطين والمساكين، وخدمت الخلفاء والمكدين، وخالطت النساك والفتاك، وعمرت السجون كما عمرت مجالس الذكر، وحلبت الدهر أشطره، وصادفت دهرا كثير الأعاجيب. فلولا أني دخلت من كل باب، وجريت مع كل ريح، وعرفت السراء والضراء، حتى مثلت لي التجارب عواقب الأمور، وقربتني من غوامض التدبير، لما أمكنني جمع ما أخلفه لك، ولا حفظ ما حبسته عليك. ولم أحمد نفسي على جمعه، كما حمدتها على حفظه، لأن بعض هذا المال لم أنله بالحزم والكيس. قد حفظته عليك من فتنة البناء، ومن فتنة النساء، ومن فتنة الثناء، ومن فتنة الرياء، ومن أيدي الوكلاء فإنهم الداء العياء...سل عني صعاليك الجبل، وزواقيل الشام، وزط الآجام ورؤوس الأكراد ومردة الأعراب وفتاك نهر بط، ولصوص القفص، وسل عني القيقانية والقطرية، وسل عني المشتبهة، وذباحي الجزيرة: كيف بطشي ساعة البطش، وكيف حيلتي ساعة الحيلة، وكيف أنا عند الجولة، وكيف ثبات جناني عند رؤوية الطليعة وكيف يقظتي إذا كنت ربيئة، وكيف كلامي عند السلطان إذا أخذت، وكيف صبري إذا جلدت، وكيف قلة ضجري إذا حبست، وكيف رسفاني في القيد إذا أثقلت. فكم من ديماس قد نقبته، وكم من مطبق قد أفضيته، وكم من سجن قد كابدته. لم تشهدني وكردويه الأقطع أيام سندان، ولا شهدتني في فتنة سرنديب، ولا رأيتني أيام حرب المولتان. سل عني الكتيفية والخليدية والخربية والبلالية، وبقية أصحاب صخر ومصخر وبقية أصحاب فاس وراس ومقلاس، ومن لقي أزهر أبا النقم. كان آخر من صادفني حمدويه أبو الأرطال. وأنا مجيب مردويه بن أبي فاطمة وأنا خلعت بني هاني. وأنا أول من شرب الغربي حار، والبزيل باردا. وأول من شرب بالعراق بالكبرة، وجعل القنقل قرعة، وأول من ضرب الشاهسمبر على ورق القرع، وأول من لعب باليرمع في البدو، وأسقط الدف المربع من بين الدفاف. وما كان النقاب إلا هداما حتى نشأت. وما كان الاستقفاء إلا استلابا حتى بلغت...
خالد بن يزيد
مولى المهالبة
كتاب البخلاء للجاحظ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق