بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

الجمعة، 16 جويلية 2010

الحكم على الناس

من بديهيات الحياة عدم القدرة على الإطلاع على خبايا النوايا وما يختلج نفس الغير. رغم تطور البشر العملي والنظري في العلوم التقنية والفنون الأدبية، ورغم ابتكارهم لآلات يزعمون بأنها تتقفى الكذب بعد مساءلة الشخص ورغم دراستهم لطبائع الإنسان وقواعد تصرفاته إلا أنهم عاجزون على سماع حديث قلبه وعقله. هذه الطبيعة الإنسانية تفرض علينا اتباع الاحتمالات في كثير من القضايا لأن حلّ بعض الألغاز لا مناص منه إلا بالوصول إلى جواب صريح وصادق من طرف المسؤول، أما معرفة مدى صدق الإجابة فلا يعلمها إلّا صاحبها. خُلق الإنسان السليم بخاصية الحرية في التفكير بحيث لديه الحرية التامة باعتقاد ما يطيب له ويرتاح له باله، كما يسمح له العقل الذي خُلق به للتفكير والتخطيط والتحليل دون جهد عملي أو آلي ضروري. تلكم الصورة التي خلق الله البشر عليها. هذا لا يعني أنه على بني البشر التوقف عن البحث وتجريب سبل تمكنهم من استقصاء الحقيقة من الكذب خاصة فيما يخص العمل الإجرامي، بل من واجبهم ذلك لكن بمراعاة محدودية قدراتهم على تقصي الحقائق. هذا يفرض عليهم التعاطي مع الناس وخاصة أثناء الحكم عليهم بحذر شديد بحيث قد تعكس أعمال الناس خلاف نياتهم ومعتقادتهم، كما أن بنو البشر معروفون بإرغام غيرهم على القيام بأعمال يمتنعون عن فعلها عندما يكونون في حرية من أمرهم. وأكبر دليل على هذا هو ما فرضه الله على قاضي المسلمين من شروط يستلزم توفرها قبل تنفيذ القصاص وحدود الزنة والسرقة وغير ذلك، لأن الحكم العادل والذي لا يأتيه البهتان من بين يديه هو حكم المولى عزّ وعلى لأنه الوحيد القادر على قراءة مكنونات النفس. وهذا من أسباب وجود الآخرة ويوم الحساب. اليوم الذي يدفع الظالم ثمن ظلمه واليوم الذي يسترجع المظلوم حقّه كاملا. هذا كله يحتّم علينا عدم التسرع في اتهام الناس وقذفهم وحتى أعظم من ذلك الحكم عليهم ومعاقبتهم خاصة إذا كان العقاب مستنبطا من أهواء الناس وتقديراتهم بدل ما أنزل الله عليهم. نرى في هذا الزمان كثيرا من المحاكمات الجائرة سواءً بتطبيق القوانين الوضعية أو الشرائع الإلهيه بطريقة خاطئة قصد إظهار القوة أو بغية الثأر من الواقع، فكم من شخص حُبس بناءً على قوانين ظالمة وأدلة واهية وكم من أطفال قطعت أيديهم ونساءٍ جلدن ورُجمن ثأرا للشرف رغم عدم تواجد الشروط التي فرضها رب الكون لتنفيذ هذه الأحكام. من غير المعقول تمني مستقبلا تخلوا الحياة فيه من الظلم والجور، ولكن يمكننا تقليلهما قدر الإمكان وذلك باتباع الشرع الإلهي بطريقة حكيمة، بحيث يلزم على القاضي التحقق من الأدلة وعدم الانصياع إلى التعصب والاستخفاف بالإنسان وحقوقه. وكذلك باتخاذ العفو والصلح أول الغايات من الحكم على الناس. إذا كان الإله غفورا ورحيما فكيف للمخلوق أن يكون متعصبا وشديدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق