بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

الأحد، 3 جوان 2012

المؤبد لمبارك أم للثورة؟

المؤبد لمبارك أم للثورة؟

سُميت محاكمة القرن واعتبرت مرحلة حاسمة في هذه الثورة العربية. أول مرة يخلع رئيس عربي ويحاكم بعد ثورة. طالت هذه المحاكمة وشهدت جدل كبير من حيث نزاهة القضاة وصدق الشهود وطريقة تقديم الأدلة وغيرها من المسائل التقنية، إلا أن الناس استبعدت أن تصدر المحكمة أحكاما تخالف توقعات الثوار ولا تنصف ضحايا جرائم النظام البائد. لكن يوم الجمعة الماضية، صادفت المحكمة الجميع أو على الأقل الكل باستثناء المجلس العسكري والقوى المناهضة للثورة، وأصدرت الأحكام كالآتي: المؤبد للرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي. براءة الضباط السامون في وزارة الداخلية من التهم الموجهة إليهم لعدم توفر الأدلة عن مقتل المتظاهرين بسلاح الشرطة خلال الثورة. براءة جمال وعلاء مبارك من تهم الفساد الموجهة إليهم. براءة الرئيس المخلوع هو كذلك من تهم الفساد وتبديد المال العام الموجهة إليه.

أحكام عجيبة ومستفزة. هل يعقل أن يُحكم على مبارك بالمؤبد ليس لأمره بقمع المظاهرات، بل لفشله في إيقاف القمع الذي "أدى" إلى قتل المتظاهرين. وهل يعقل أن يُبرأ الضباط السامون في وزارة الداخلية الذين أمروا وخططوا وقادوا عمليات القمع الوحشي خلال الثورة، بسبب عدم توفر الأدلة عن مقتل المتظاهرين بسلاح الشرطة والعالم كله شاهد قوات الشرطة بالزيّ الرسمي تُقتِّلُ المتظاهرين جهارا، نهارا وليلا. أتريد المحكمة أن تقنعنا أو تبدي لنا بأن الثوار انتحروا في ميادين وشوارع مصر والتسجيلات المصورة تملأ شبكة الإنترنت بمقاطع توضح بقطع إطلاق قوات النظام النار على المتظاهرين ودهسهم بالسيارات والشاحنات وكأنهم نفايات مرمية على الطريق.

{يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. 

كانت ردة فعل  الشعب المصري على قد التطور. بعد اصدار الحكم مباشرة، توافد المصريون من كل فج عميق لكل ميادين أرض الكنانة ليعبروا عن رأيهم ويدلوا بشهادتهم عن هذه المحاكمة – المهزلة. الثورة لا تزال حية، ذلكم ملخص ردة الفعل. رفض المصريون أحكام القاضي وطالبوا بإقالته وإعادة المحاكمة. لا يمكن للمصريين أن يخونوا دماء شهدائهم وهم قد شاهدوا مرارا وتكرارا المجلس العسكري الذي يرعى هذه المحاكمة – المخادعة وهو يقتل أبناء الشعب المصري في ماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود وبور سعيد والعباسية وغيرها وفي كل مرة يتسلل الجناة من براثين العدل البتارة. 

تأكد للمصريين بعد هذه المحاكمة وبدون غموض أو شك بعزم المجلس العسكري ومن وراءه القوى المناهضة للثورة على إعادة تثبيت النظام الساقط بصلافة واستفزاز. لكنهم لن يسمحوا بحدوث ذلك قطعا لأن هذه القوى لم تحسن حتى المخادعة، بحيث أنها استمرت في نفس نهج النظام البائد وظلت تكذب وتخلف الوعود وتقتل وتزور. صدق من قال بأنه لم يبقى إلا محاكمة الثوار عن قيامهم بالثورة!

هذا الوعي ليس بكاف لإخراج مصر من محناتها وإنجاح ثورتها، التي نعدّها مقياس مدى تحقيق نهضة الأمة العربية والإسلامية أو انتكاستها مرة أخرى.

الأمر الذي نجحت فيه القوى المناهضة للثورة عبر وسائل عدة على رأسها الإعلام المُزيِّف للأخبار والناشر للشائعات، هو تفريق الثوار وإحداث استقطاب شديد بينهم، وهو الأمر الذي لن تنجح الثورة إلا باجتيازه. للشعب المصري خيارين في رأيي، كلاهما سيكون صعب ولا بد من اتحاد جميع القوى الثورية من أجل تحقيق الفرج لهذه الأزمة. الأول، أن يتشكل مجلس رئاسي بقيادة مرشحي الثورة الفائزين بأكبر عدد من الأصوات في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية وهم: محمد مرسي، حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح. وتفعيل قانون العزل وتطبيقه على الفريق أحمد شفيق. هذا الخيار يتطلب مواجهة مع المجلس العسكري وإرغامه على تسليم السلطة قبل الفترة المحددة وبدون إتمام الدور الثاني من الرئاسيات. ولا بد من وقفة شعبية عارمة لمساندة هذا المجلس الرئاسي. الثاني، أن تتحد كل القوى   الثورية أو أغلبها وراء المرشح محمد مرسي في الدور الثاني من الرئاسيات، خاصة وأنه قد صرح بعد إصدار الحكم بأنه سيقيل النائب العام ويعيد المحاكمة في حالة انتخابه رئيساً للجمهورية، وتعهده من قبل بالقصاص لجميع ضحايا الثورة من الشهداء والمعاقين والمصابين. هذا الخيار هو الأكثر سلامة قانونيا، إلا أنه يبدو قد يواجه عوائق في اتخاذه، بسبب تشرذم القوى الثورية وطغيان المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية العامة عند بعض جهات الكيان الثوري. مما قد يساعد على تخفيف حدة هذا الاستقطاب، هو رضى الفريق أحمد شفيق على هذه الأحكام وتخلفه عن مشاركة الثوار إجماعهم على رفض الحكم بميدان التحرير كما فعل منافسه محمد مرسي. 

أما أن يتظاهر المصريون لأيام معدودة ثم ينصرفوا ويبقى جزء كبير منهم حائر في الاختيار بين مرسي وشفيق وكأنه هنالك اختيار فعلا، فسيكون ذلك بلا شك بداية عودة النظام البائد وتثبيت نفسه من جديد وحين إذٍ سيصح قول من قال بأن بعض الشعوب تتمتع بالذل والهوان والعياذ بالله. 

أملنا في المصريين كبير جداً. أرجوا وأتمنى كما يرجى ويتمنى الكثير من عرب والمسلمين أن يعي المصريون حجم المسؤولية التي يحملونها وأن يستمروا في ثورتهم حتى يطووا العهد المظلم الذي عانت منه أمتهم والله ولي التوفيق.


شمس الدين خ.

مسلم عربي جزائري، مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية  

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق