بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

الاثنين، 25 جوان 2012

ماذا أحسست بعد إعلان نتيجة رئاسيات مصر الثورة

ماذا أحسست بعد إعلان نتيجة رئاسيات مصر الثورة

أفكار كثيرة تشتبك في عقلي وأحاسيس جمّة تجول في قلبي. أصبحتُ دقائقَ معدودة قبل إعلان المستشار فاروق سلطان عن النتائج الرسمية والنهائية للانتخابات الرئاسية المصرية الأولى، على إثر الثورة المصرية العظيمة وفي المسلسل الأهم من الثورات العربية المتواصلة. نتائج احترق المصريون والعالم معهم انتظارًا لها.

محمد مرسي أول رئيس عربي انتخب شعبيا.

نحن نعيش التاريخ يُكتب في حضرتنا وحسب مبتغانا.

أول انتخابات في تاريخ مصر، انتظرنا نتائجها وتتبعنا وقائعها بشغفٍ منقطع النظير. ميدان التحرير بقاهرة المعز، المحتشد بأحرار مصر الثوار، صار قبلة أعين العالم أجمع. اهتم العالم لانتخابات مصر، لأنه يعي أنّ نتائجها ستغير الكثير في العلاقات الدولية ومستقبل المنطقة برمتها، لأنّ في هذه المرّة  اختار المصريون وبايعوا من سيمثلهم أمام العالم ويقودهم ويرسم خريطة البناء والتنمية والسياسة الداخلية والخارجية. وهنا أكتفي بالتعقيب بحديث لرسولنا وقدوتنا، محمَّدٌ صلّىٰ الله عليه وسلّم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، رغم أن كثيرا منّا انحرفوا عن الطريق الذي خطّه صلّىٰ الله عليه وسلّم. العالم أيقن جيدًا أنّ زمن المعاملات الغير مُتكافئة المصالح قد ولّى بلا رجعة بإذن الله عزّ وجلّ.

 كم جميل أن يرى العالم رغم أنف الإعلام المنحاز عربا ومسلمين يحتفلون بانتخابات حرّة ونزيهة أفرزت عن أصواتهم، بعد أن فُرِضَ عليهِ مشاهدتهم إلاّ وهم في التباس وفي صورة المتخلفين، الهمجيين، المتطرفين. رأى العالم رغم أحكامه المسبقة عليهم، المصريين يهيجون فرحا ويرفرفون أعلامهم ويرفعون صور رئيسهم المنتخب لحظة إعلان النتيجة. صورة لا يستطيع أن يزيغ البصر عن حقيقتها الساطعة، وهي أن المصريين فرحون لأنهم انتخبوا رجلا منهم، يشبههم ويقاسمهم همومهم، ورفضوا نظاما عميلا جائرا، معاديا لهويتهم ورسالتهم الحضارية. 

الجميع يحسد مصر اليوم أو مندهشٌ من روعة تاريخها الذي صنعه ويصنعه شعبها عبر أيام ثورته العظيمة. ثورةٌ أَخجلت ثورات شهيرة، عُدَّت كبرى وفارقة في تاريخ البشرية. المصريون يدونون التاريخ بسواعدهم اليوم، قائدين غير منقادين، منتصرين غير مهزومين، مُختارين غير مُختارٍ لهم. العالم تابع باب الانتخابات الرئاسية في الثورة المصرية باهتمام كبير، ولكن المسلمين وبخاصة العرب منهم تعايشوا معها وتفاعلوا معها وشعروا لها وتجاهها.

العرب والمسلمون ينتظرون مصر جديدة. مصر رائدة وقائدة للأمّة. مصر ظهيرة لأمّتها، لا رقيبة عليها ولا مكبلة لإرادتها ومتواطئة مع من يعادونها ويتهجمون عليها ظلما وعدوانا. مصر صرحا مُشِعًا للحضارة العربية والإسلامية. مصر الأزهر الشريف. مصر الدعاة والعلماء المسلمين والعلميين. مصر تدافع عن مصالح العرب والمسلمين من مخططات أمريكا والصهاينة. مصر تقف ندا لإيران ومعسكرها وتتعامل معهم فيما يخدم مصلحة الإسلام والمسلمين وتعمل على التقريب بين كل أهل القبلة. مصر مثالا في حكم إسلامي حديث راشد عادل ووسطي.

ثم جاءت اللّحظة التي حلمت بها أجيال قضت نحبها وتشرفنا نحن بفضل من الله عيشها وحضورها. أول رئيس عربي منتخب شعبيا، يخاطب شعبه وأمته والعالم أجمع. خطاب مرسي كان قدر الحدث. توجه الرئيس بنداء يهدف إلى التأكيد على ضرورة تقوية أواصر الجماعة الوطنية المصرية وتوحيدها والتنسيق فيما بينها من أجل تحقيق نهضة مصر من جديد. الرئيس خصّ بالذكر كلّ محافظات مصر وكلّ أطياف المجتمع المصري باختلاف توجهاتهم الفكرية ومعتقداتهم الدينية ووظائفهم المجتمعية. ولم يتهاون في مدّ يده إلى كل مؤسسات الدولة المصرية الأمنية والقضائية والإدارية، تعبيرا منه عن عزمه على مدّ الجسور حتى إلى من يخالفونه ويعترضون طريقه، بدلَ مواجهتهم وتخوينهم والتصادم معهم. رئيس مصر، وجّه رسالة قوية للعالم فيما يخص النهج الذي ستتخذه جمهورية مصر العربية في تعاملاتها الدولية مستقبلاً، إذ أكّد أنّ مصر تحت إمرته ستحترم الاتفاقيات التي وقعت عليها مع الأطراف الدولية في إشارة واضحة إلى اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني. وشدّد على لزوم التعامل مع مصر مستقبلا على أساس تبادل المنافع وتناظر المصالح والاحترام المتبادل. كما أكّد الرئيس عن عدم تخاذله وشعبه وقواته المسلحة في الدفاع عن السيادة المصرية واستقلالية قرارها وحدودها بكل قوّة وحزم وكل ما يتضمن ذلك من علاقة أمن مصر القومي مع الأمن القومي العربي والإفريقي. أما بيت القصيد فكان في قوله عن منبع قرار مصر، حين وجه أصبعه نحو الكاميرا قاصدا الشعب المصري الذي وقف عن بكرة أبيه للإنصات إلى أول خطاب له إليهم. الرئيس محمد مرسي  أوجز رسالته ولخصها حين اقتبس من أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حين قال: (إنني بفضل الله ثمّ إرادتكم وُليت عليكم ولست بخيركم، ولسوف أبذل كل جهدي للوفاء بالالتزامات والتعهدات التي قطعتها على نفسي لكم جميعاً، وأما عن نفسي فإنني ليس لي حقوق وانما علي واجبات، فأعينونى أهلي وعشيرتي، أعينونى ما أقمت الحقّ والعدل فيكم وإن أطعت الله فيكم فإن لم أفعل فلا طاعة لي عليكم ... ولن أخون الله فيكم ولن أعصيه في وطني). لا كلام بعد كلام كهذا ولا أوضح من هذا ولا أنبل.

ثم هنالك حدث آخر لا يقلّ أهمية عن فوز الرئيس محمد مرسي وهو فرح الأمتين العربية والإسلامية الجارف بانتخابه، بحيث اكتضت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعاليق المهنئة للمصريين ورئيسهم والمشيدة بثورتهم. فرحٌ يثبت للمصريين بأنّ العرب يتطوعون لتقديم مصر عليهم ورفعها على أكتافهم حين يرون فيها قيادةً تسعى لرفعة أمتها وتكافح من أجل مصالحها الشريفة. أنا كجزائري دمعت عيناي فرحا وفخرا وأنا أشاهد إخواني في كنانة الله في أرضه فرحون وسعداء وفخورين بتحقيق انتصار آخر في مشوار ثورتهم. شعرت وأيقنت روابط الدّين والدّم واللّسان التي جمعتني بثوار مصر وكل الثورات العربية السابقة والمضارعة واللاحقة تتمتن داخل عروقي والحرية تجري في دمائي وتضخ في قلبي وتُلهب جوارحي. 

ليس لدي نصائح أقدمها لثوار مصر، لأنني على يقين بأن الله تفضل عليهم بعزيمة ويقظة أثبتتها الأيام والمحن التي لاطموا أمواجها بصدور عارية وصيحاتِ حقٍ مدويّة. أولياء دماء شهداء مصر لن يسمحوا بانتكاسة ثورتها. فلقد أقسموا بأن يعيشوا كراما. أقسموا بأن لن يقبلوا الذلّ أبدا. 

َالثورة مستمرة ... المجد والخلود لشهداء مصر والعرب والمسلمين في سبيل الله وتحقيق الاستقلالية للأمة واسترجاع حقوقها ... من أرض بلاد الشهداء ... من أرض الجزائر نعلن عن فرحنا وندعوا كل المسلمين والعرب للفرح معنا بانتصار الحق على الباطل في معركة فاصلة ... ((قُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ))


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق