بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

الأحد، 9 ديسمبر 2012

مرسي والمتطرفون العلمانيون

سالت الدماء في شوارع مصر وانقسم الشارع إلى أقلية علمانية تبدو وكأنها الأكثرية بعلو صوت الآلة الإعلامية التي تمثلها وأكثرية إسلامية مرتبكة وقليلة الخبرة في الحكم. بدأت الأحداث ميدانيا بإصدار الرئيس محمد مرسي إعلانًا دستوريًا مؤقتًا يسرع بموجبه المرحلة الانتقالية التي طالت وعطّلت التقدم والإنتاج في مصر. الإعلان تضمّن مطالب ثورية كإقالة النائب العام المعين من طرف الرئيس المخلوع حسني مبارك وإعادة محاكمة المتهمين في قتل الثوار أثناء الثورة في حال ظهور أدلة جديدة تسمح بذلك، وقرارات ضرورية كانت استباقية من طرف الرئيس محمد مرسي قصد الحفاظ على ما تبقى من المؤسسات المنتخبة من الإلغاء من طرف المحكمة الدستورية العليا التي عيّن أعضاءها هم الآخرين المخلوع والتي أظهر بعض أعضاءها نيةً صريحة في إسقاط الجمعية التأسيسية للدستور وبالتالي تمديد الفترة الانتقالية فترة أطول لا نظنها في مصلحة مصر. خاصة وأنّ نفس هذه المحكمة كانت قد حلّت في الماضي أوّل مجلس نواب منتخب والجمعية التأسيسية الأولى التي انبثقت منه. هذا الإعلان أخرج المعارضة العلمانية إلى الشوارع ودفع بعض أطرافها للاتحاد مع العناصر القوية بالمال والبلطجة من النظام السابق، كُفرًا منهم بالديمقراطية التي أفرزت الإسلاميين في الحكم، بل أصبح البعض يطالب علنًا بإسقاط أول رئيس منتخب شعبيا في تاريخ مصر. 
الرئيس مرسي في الحقيقة ارتكب خطئًا فادحًا، وهو أنّه لم يسبق الإعلان الدستوري بعملية توعية إعلامية يتصل فيها مع عامة المواطنين وتحضيرهم لقراراته ولو بالتمويه، كما أنه لم يستشير ولم يحاور القوى العلمانية الشريفة كشباب الفصائل الثورية المتعددة. أمّا العلمانيون المتطرفون فهؤلاء لا مجال للحوار معهم لأن مشكلتهم الحقيقية ليست الإعلان الدستوري ولا الدستور بل المشروع الإسلامي برمته سواءً كان معتدلاً كالذي يمثله مرسي أو أكثر تشددًا كالذي يمثله السلفيون حلفاء الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. هم يرفضون الاستفتاء لأنهم وعلى أصابع (تغريدة على تويتر) أحد "مفكريهم" (الكاتب علاء الأسواني) يرون أن الغالبية "الأميّة" ستنتخب بنعم لا محالة و بالتالي لن يعتبروا خيار المشاركة إلاّ في حالة استبعاد هذه الشريحة. هنا نتساءل: أين ذهبت شعارات تساوي الحقوق والواجبات، المواطنة، الاحتكام إلى الشعب، الحرية والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات التي صدّعوا بها رؤوسنا لعقود من الزمن واستغلوها لكي يقنعونا بعدل منهجهم. هو استعلاء واضح على جموع الشعب المصري التي يدّعون تمثيلها وكفرٌ بواح بالديمقراطية التي فرضوها هم على الإسلاميين وأجبروهم على ممارستها. أمّا الغريب فعلاً فهو التناقض الفاحش في مواقف هؤلاء فيما يخص الأسباب المعلنة لرفضهم مسودة الدستور، هم يدّعون أن الوثيقة لم تحظى بالتوافق (علمًا بأن كل الأطراف العلمانية التي انسحبت قد أمضت على كل مادة من مواد الدستور) وفي نفس الوقت يرفضون الحوار الذي دعى إليه الرئيس، كيف لأطراف أن تتوافق وهي رافضة للحوار؟
أمّا الإسلاميون عمومًا في مصر، فأثبتت هذه الأزمة فشلهم فشلاً ذريعًا على المستوى الإعلامي، بحيث لا يمكننا أن نتفهم قلّة منابرهم الإعلامية وشحابتها فنيًا وتقنيًا، رغم قيام الثورة منذ ما يقارب العامين واختفاء آلة رقابة النظام السابق التي أخفتت أصواتهم وأخفت سيرتهم. 
لا خيار للرئيس مرسي إلاّ بالاحتكام إلى الشّعب والإسراع في القصاص للشهداء والمصابين في أحداث هذه الثورة العظيمة ومزاوجة ذلك بحملة تطهير نوعية وذكية لمؤسسات الدولة وإداراتها، لعلّه يجنب بلاده شرًا عظيمًا يحدق بها، لأنّ هؤلاء المتطرفون من العلمانيين لن يملّوا ولن يقبلوا بالواقع، حتّى يطيحوا به أو يعيثون في الأرض فسادًا ويجعلون تحقيقه لرؤيته أمرًا مستحيلاً وما حدث في الجزائر ليس ببعيد (شعبية الجبهة الإسلامية للإنقاذ ونتائجها في الانتخابات وقتها، فاقت شعبية الإخوان والسلفيين في مصر مجتمعين). ومن ثمة لا بد من اجتماع شرفاء مصر والشباب منهم خاصة على بناء وطنهم والاعتلاء به خدمة لهم ولأمتهم.

شاب جزائري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق