بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

السبت، 15 أوت 2015

حرب بن غبريط على اللغة العربية

حرب بن غبريط على اللغة العربية

إدراج العامية في مناهج التعليم التحضيري والأساسي


تسعى وزيرة التربية والتعليم نورية رمعون بن غبريط إلى إدراج العامية أو الدارجة في مناهج تعليم تلاميذ المستوى التحضيري ومدارس التعليم الأساسي بدعوى ضعف مستوى التلاميذ في اللغة العربية بسبب صعوبتها، وما الهدف حسبها إلاّ تحضير التلاميذ تدريجيا حتى يتمكنوا من استيعاب اللغة العربية لاحقا. ثم أعطت مثالا غريبا عجيبا، ادعت فيه بأن إحدى «دراساتها» أفادت بأن تلاميذ إحدى الولايات الذين يدرسون في المدارس القرآنية قبل الالتحاق بالتعليم الرسمي يتحصلون على نتائج أضعف في اللّغة العربية مقارنة بغيرهم ومن هنا استنتجت الوزيرة العبقرية بأن المشكل يكمن في لغة القرآن– عذر أقبح من ذنب.
أولا، لا بد من الإشارة بأن هذه الحملة الخائبة ليست الأولى من نوعها، بل محاولة جديدة في سلسلة طويلة من المحاولات الفاشلة التي دأب عليها دعاة العلمانية والتغريب «حزب فرنسا» في الجزائر قصد العبث بمقومات الهوية الجزائرية الجامعة والتي تقوم على الدين الإسلامي ولغته العربية وأصوله الأمازيغية/العربية:
شعب الجزائر مسلم
وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله
أو قال مات فقد كذب
فلتعلم بن غبريط ومن وراءها بأنه في الجزائر ما زال القوم يعتقدون ويرددون:
الإســــلام ديننا
العربية لغتنا
الجزائر وطـــــــــننا
نتساءل ما هو المراد الحقيقي من وراء هذا القرار المرفوض جملة وتفصيلا؟ 
المراد هو تهميش اللّغة العربية – اللغة الرسمية للبلاد. نعم هم يسعون إلى تهميش اللغة العربية بزعم سهولة اللّهجات المحلية والمحافظة على «التراث» وعلى «اللّغة الجزائرية» وهم يرمون إلى تقسيم المقسم وتجزءة المجزء داخليا وفصل الجزائر عن محيطها الطبيعي – العربي/الإسلامي. دون الدخول في موضوع ماهية اللّغة، كيف لهذه «اللغة» المزعومة أن تكون «تراثا جزائريا»  ندرسه وكثير من كلماتها مستوردة من لغة المستعمر الفرنسي! وهل العامية التي يتحدث بها الشباب اليوم هي نفس العامية التي تحدث بها آباءهم من قبل؟ وهل العامية التي يتحدث بها أهل الحضر هي نفس العامية التي يتحدث بها أهل البادية؟ يفرطون في الأصل ويهتمون بالفرع، مع أن الدارجة أصلها أساسا اللّغة العربية ولكنها مشوبة بكثير من الكلمات الهجينة والمشوهة وأخرى أجنبية دخيلة وجُلها محرف. الدارجة ليست لغة، وإن رُقيت إلى مستوى اللّغة فستكون لغة رديئة آيلة إلى الفناء لا يتحسن مستواها ولا يحلو لسانها إلاّ بالعودة إلى أصولها وكلّما تتبعنا جذور هذه الأصول وجدناها عربية قحّة. أما هدفهم الرئيسي باللجوء إلى اللهجات المحلية فهو إعادة تثبيت اللغة الفرنسية، فهم يريدونها اللّغة الواصلة بين هته اللّهجات الهجينة والمختلفة والتي قد دمرتها الفرنسية أساسا خلال فترة الهمجية الاستعمارية.
ثم نسأل الوزيرة: عندما ندرس الدارجة: أي دارجة تلك التي سندرس أبناءنا؟ 
أمرٌ معلوم بأن الدارجة تختلف من منطقة إلى أخرى ومن ولاية إلى أخرى، بل ومن حي إلى حي آخر أحيانا. وتختلف بين جيل وآخر فالجيل الجديد مثلا أكثر استعمالاً للكلمات الفرنسية من كبار السن. هل ندرسهم بلهجةحي القصبة أم لهجة حي الحراش بالعاصمة أم لهجة حي الحمري بوهران؟ هل سندرسهم لهجة «أولاد البلاد» المائلة إلى العربية أم لهجة «لا تشي تشي» المفرنسة؟ أفيدينا سيدتي الوزيرة بشيء من علمك الغزير؟ وإن افترضنا بأن الوزيرة تعتزم تعليم كل منطقة وكل ولاية وكل بلدية لهجتها الخاصة بها (وهذا افتراض محالٌ تنفيذه أساسا) نتساءل، ماذا سنفعل بالمُدرسين الوافدين من مناطق ذات لهجات غير لهجات المناطق التي يدرسون بها ونفس الشيئ بالنسبة للتلاميذ؟ هل سنرحّلهم أم سنطردهم أم سنفرض عليهم تعلم لهجة المنطقة التي يدرسون بها؟ وإن ردوا بأنهم سيوحدون الدارجة ويضبطونها بمعايير، وهو أمر سيدخلنا في حروب جهوية، فقل لهم لا تتعبوا أنفسكم هذه اللّغة المقصودة موجودة ومضبوطة وثرية ورائجة وسامية وتسمى اللّغة العربية.
بكل بساطة، حتى وإن افترضنا حسن النية في هذا الطرح الغريب فتدريس الدارجة عبث لا منطق فيه وأمر مستحيل من الناحية التطبيقية واللوجيستية.
أمّا فيما يخص اللّغة العربية فهي لغة الجزائريين، لغة قرآننا، لسان رسولنا محمد ﷺ، لغة الصحابة والفاتحين، لغة أهل الجنة، لغة تاريخنا، لغة ثقافتنا الفنية والأدبية – لغتنا الحضارية. اللّغة العربية في الجزائر هي اللّغة الجامعة، مثلما هي كل اللّغات الكبرى في أوطانها، فاللّهجات المحلية ليست خصوصية جزائرية ففي فرنسا مثلا يوجد الكثير من اللّهجات المحلية ولكن ما يدرس في المؤسسات التعليمية وما يروج له وما يدعم حكوميا هو اللّغة الفرنسية الرسمية التي تجمع كل الفرنسيين وكذلك الأمر في دول كثيرة في العالم.
اللغة العربية في الجزائر في دارها وتعليمها أمر غير قابل للنقاش أبدا. هي اللغة الرسمية بمقتضي دستور البلاد منذ الاستقلال. اللّغة العربية ركن من الثوابت الوطنية التي تم إعادة إقامتها بعد طرد الاستعمار الفرنسي الذي حظر تعليمها بمناسبة «الاحتفالات المئوية لاحتلال فرنسا للجزائر – سنة 1930». فكيف بعد أكثر من خمسين سنة من تحقيق الاستقلال وإخراج فرنسا من أرضنا تتجرأ وزيرة جزائرية على اللّغة العربية؟
إذا كان أمر لا بد من معالجته فهو الانفصام الحضاري الذي يعاني منه كثير من المسؤولين في بلادنا، كثير منهم يفضلون استخدام اللغة الفرنسية في أعمالهم الرسمية في مخالفة صريحة وفجة للدستور الجزائري الذي ينص على أن اللّغة العربية هي اللّغة الرسمية كما أسلفنا ذكره. أولئك هم من يحتاجون إلى توصيات تفرض عليهم تعلم لغتهم الرسمية واستعمالها في شؤون الدولة الجزائرية التي يمولها المواطنون الجزائريون، الذين قطعا يرفضون تحدث المسؤولين بلغة عربية ركيكة أو بلغة المستعمر. ثم على المسؤولين أن يطبقوا الدستور على مستوى مؤسساتهم ويدعمون التعريب ويصبحون قدوة لمأموريهم ويشجعون المواطنين على التعريب لتوحيد اللّسان والرفع من المستوى الثقافي والفني الذي يجمع الملاحظون بأنه أدرك الدرك الأسفل. 
المشكل لا يكمن في اللغة العربية ولا في صعوبتها كما يزعم هؤلاء، فاللغة العربية أكثر رواجا من اللهجات المحلية بل وحتى الفرنسية. أما الاعتذار بضرورة استعمال الفرنسية في المجالات التقنية فهذه فرية كبيرة إذ أن العالم يجمع على استعمال اللّغة الإنجليزية في المجالات التقنية، الأمر الذي يفضح تشبث المسؤولين بلغة فولتار التي غزتها الإنجليزية في عقر دارها ولم تعد تصدر بها البحوث العلمية والاختراعات ووسائل التكنولوجيا العصرية ويترجم إليها مثلما يترجم إلى العربية بل أحيانا أقل. ضعف مستوى اللّغة العربية عند التلاميذ والطلاب يرجع إلى عدم الانسجام بين المناهج عبر المراحل التعليمية ثم المجالات الحياتية الأخرى، إذ نلاحظ حصاراً وتهميشا للغة العربية يبدأ من المرحلة الجامعية ثم يمتد إلى عالم الإدارة والشغل.

هناك 3 تعليقات: