بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

الأحد، 5 جوان 2011

طلبة الجزائر

كل شاب جزائري وشابة جزائرية يَذكُران إحدى والديهما أو كلاهما وهُما يصِّرّان على ضرورة الدراسة “اقرا، إذا حبيت تنجح”. أولياؤنا رغم قلة دراسة الكثير منهم، اتفقوا بالاجماع على ربط النجاح والرقي بالدراسة والمعرفة.
لكن الشاب مع كل يوم يتقدم في حياته، يشاهد خلاف ذلك ويجد صعوبة في الوصول إلى نفس المعادلة التي آل إليها كباره. الدراسة لا تعني النجاح بالضرورة، ولا تعني راحة الروح والذات حتى ولو ارتضى وافتخر الشاب بالعلم الذي ناله جراء اجتهاده وتضحياته، لأنه لن يتمكن من المصالحة بين مستواه العلمي وحالته المعيشية المزرية في غالب الأحيان. هذا، دون التعمُّق في نوعية الدراسة ونجاعتها من مكان لآخر والإمكانيات المخصصة لتعليم الأطفال والشباب من منطقة إلى أخرى.
بعد “اقرا إذا حبيت تنجح” يلاقي الشاب عبارة أخرى “اللّي قرا، قرا بكري” والتي تعني أنّه من أراد الدراسة التي تُنجحه وتعطيه تكوينا لا بأس به عليه أن يفقد الأمل لأنّ الدراسة لم تعد مجدية، وأنّ ذلك كان ممكنا حين كانت البلاد لا تزال شابّة والطموحات عالية والإمكانيات متوفِّرة.
في زمن الذُّل والهوان والظّلم الذي نعيش فيه، لم تعد الدراسة تعني شيئا غير احترام بعضٍ من الأهل والأصدقاء. الشهادة لن تضمن لك عملا ولا حتى زوجة ولا معاشا. مئاتٌ من الآلاف من حاملي الشهادات العليا في الجزائر، إمّا قابعون في أحيائهم ينتظرون “التقرقيبة” تلو الأخرى و”البريكولة” تلو الأخرى، ليتهم يحصِّلون علي بعض الدراهم التي قد تغطي احتياجاتهم لبعض من الأيام. الشباب سئموا من طلب خمسون أو مئة أو مئتا دينار من أوليائهم كل صباح لكي يقضوا يومهم كباقي بني البشر. أما البنات منهم، فشهادتهم تعني في غالب الأحيان قَبرَهُن في الدّار إلى أن يأذن الله ويدُقَ خاطِبٌ على الباب. قُتلت أرواحهم، هَرمت أجسادهم في عزّ شبابهم. ماذا يفعلون؟ يركبون زوارق الموت، يجعلون من الشوارع والأسواق مواطنا للصيد فيشرعون في التسكع والانضمام إلى حلقات الفُسّاق، فقد يتعرفون على المخدرات أو الخمر وقد يحترفون اللصوصية والسرقة، وقد يوهمون لاختيار القاضية ويصعدون إلى الجبل ويسفكون دماء إخوانهم أو يُسفك دمهم. الشباب الجزائري لا يمكنه أن يتخيل مستقبله، لأنه يعلم طبيعة البلاد وقد شاهد من قبل كيف عاش والداه. يعلم بأن مستقبله هو مسألة حظّ أكثر ممّا هو ارتقاء عن جدارة واستحقاق. الاختيارات قليلة وغالبها يمر عبر الانحطاط إلى الرّشوة والوساطة.
الشباب هم السواد الأعظم من الأمة. بينهم، ترى الإنقسامات الطبقية جليّة بين من استفادوا من النظام أو كان الحظ بجانبهم للاستفادة وبين من هم مُهمَّشون ومَنسيُون في الحواضر والقرى والبوادي الجزائرية. لا يمكنهم حتى التوحد. يبقى الحلّ نفسه لكثير من المشاكل الجزائرية: تكريس العدل ومن يكرس العدل غير الدولة؟ التوظيف والتنصيب يجب أن يكون عبر اختبارات وشروط يمتثل أمامها الجميع وكذا إصدار عقوبات صارمة لكل من ارتشى أو توسّط لأيّ كان. يجب أن تُعلن هذه التغييرات على أعلى مستوى في الدولة وإحداث لجنة مستقلة لتتبع جدِّية تطبيق هذه التعليمات. كيف لهذا أن يتحقّق في كنف دولة ليس لها ذرّة من الشرعية؟
هذا بالطبع لن يجعل كل الشباب يحصل على وظيفة ولكنه سيؤكد بأن الشغل استحقاق وأنّ من اجتهد سيصل حتما إلى مبتغاه، كما أنّه سينقص من الإحساس بالتهميش.
فيقوا يا ولاة الأمور قبل أن يبلُغَ الشباب من السُؤم درجة لا عودة منها إلاّ بالمرور والوطءِ على رِقابكم.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم و رحمة اللهخ و بركاته....

    لقد اصبت و لمست الوتر الحساس ..و اصبح هم الدراسة من الطابوهات ,,,يعني الدراسة و اي مشكل من مشكلات الحياة سواء,,,كان الشاب يكد و يجتهد لكي يتحصل على الشهادة فيرح و يُفرح بها اهله و ممكن كل اهل الحومة...لكن شتان اذا غابت المصداقية و صارت شهادة البكالوريا اول مسخرة و نظام الجامعات مثل انظمة الحكومات الباطلة ,,,,صار الشاب يدرس و غصبا و ينتظر شهادة الوفاة او حكم مؤبد في السجون,,,
    و رغم هذا و ذاك يبقى العلم اسمى وسام يتوسم به الشخص حتى لو في بلد سادها الفساد و ان لم ينتفع بها نفع بعلمه غيره,,,

    نسال الله السداد و الثبات و نساله الهداية ..

    و احيي حقا ما كتبته...

    ردحذف