بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

الثلاثاء، 4 جوان 2013

المقاومة غدرت بنا نحن الذين آمنا بها

في تاريخ المسلمين والعرب الحديث - ما قبل الثورات العربية وما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر - كانت سورية وشريكيها إيران وحزب الله يمثلون تيار الممانعة في المشرق، بحيث رفض هؤلاء ولو بتفاوت الانبطاح للسيطرة الأمريكية المطلقة على المنطقة وقاموا وبتفاوت أيضاً بكبح الأطماع الغربية والصهيونية والرد على اعتداءات الكيان الصهيوني أحيانا. رغم الاختلاف المذهبي بين هؤلاء والسواد الأعظم من المسلمين والعرب، إلاّ أن الأمة في أغلبها كانت تفتخر بهم وتعتز بهم وتفرح لانتصاراتهم وتحامي عليهم وتدافع عنهم أمام العالم.

بالنسبة لسورية بشار الأسد، لم تكن نشطة عسكريا ضد أعداء الأمة مقارنة بإيران وحزب الله، إلا أنها تكفلت بالدعم اللوجستي بنقل السلاح من إيران إلى حزب الله والفصائل الفلسطينية، سلاحٌ استعمل للرد على عدو الأمة الأول والأخير -الكيان الصهيوني-، ضف إلى ذلك إيواءها للمجاهدين الفلسطينيين، في وقت كان أغلب العرب قاب قوسين أو أدنى من إعلانهم مجموعات إرهابية. دون أن ننسى مساهمة الدولة السورية الكبيرة في دفع التغريب والإعتناء بلغة الضاد واستعمالها في كل المجالات بما في ذلك الدراسات العليا وحتى التقنية والعلمية منها، ولو أنها نشرت الفكر البعثي وحاصرت الدين. بطبيعة الحال كان ذلك كله مزاوجا بقهر وظلم في حق الشعب السوري، مثله مثل أغلب شعوب الوطن العربي، لكن تبقى سورية بشار الأسد حينها أقلّ انبطاحا من ملوك وأمراء الجزيرة العربية، فرعون مصر وباقي طغاة العرب والمسلمين.

أما حزب الله فكان سيف من سيوف الأمة على صهيون ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، ومن فعل فهو على طائفية بشار والمالكي ونصر الله ذاته. حزب الله استرد أرض لبنان المحتلة ولم يتفاوض إلا بالندية، بل وأقول صفع كيان صهيون صفعة لن ينساهى في حرب أوت 2006، ومن يقول بأن ذلك تمثيلية فمخطئ فإن مثّل حزب الله حسب هؤلاء فصهيون لا تمثل في مقتل 121 جندي و44 محتل. رغم استقواء الحزب على شركائه اللبنانيين منذ تلك المعركة الفاصلة، إلا أن الأمة كانت ترى في حزب الله وقائدها نصر الله رجالا في زمن النعاج وغضت الطرف عن تجاوزاتهم عن عمد لأنها تحسن التقدير ولا ترى العالم بمنظور واشنطن الطائفي.

أما الجمهورية الإسلامية في إيران وإلى يوم الناس هذا فهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي قد نقول يحكمها شعبها حسب عقيدته ومذهبه وبالرغم من العداء العالمي الموجه إليها والحظر الإقتصادي المفروض عليها منذ إسقاط كلب الغرب في طهران – الشاه محمد رضا بهلوي، إلاّ أن إيران اليوم تصنع سلاحا وتنتج طاقة ذرية وبرامج كمبيوتر وغير ذلك كثير ولم نسمع عنهم يتذللون ويطلبون المساعدات من الغرب كما يفعل حكام العرب. كما أنهم فخورون بإسلامهم ولم يخفوا يوما دعمهم لقضية الأمة - فلسطين - (حتى وإن صحّ تشكيك البعض بأن في الأمر مصلحة) بالمال والسلاح والإعلام، بل ودفعوا ضرائب باهظة بسبب ذلك والعالم كله شاهد على ذلك

هذا صحيح ولكن ما يحدث في الشام اليوم كذلك صحيح.

حرق البوعزيزي نفسه فغضبت تونس وخلعت بن علي. سمع بها ميدان التحرير فتذكر جور مبارك وخيانته فحشد له أبناء الكنانة وطردوه على الملأ ثم حبسوه. فرحت اليمن فخرجت عن بكرة أبيها ونحّت ظابط واشنطن في صنعاء. ضحك القذافي فكشرت بن غازي، فرد عليها بالذبح والسبي، سالت الدماء في ليبيا فاستغل الناتو جبن وغباء القذافي وضُرّ الدم والعرض في الشعب فدمر جزءً كبيرا من ليبيا ومات قوم كثير من الطرفين وفي الأخيرقتل القذافي وتحررت ليبيا منه وهي مقيدة لا تزال جراء الحرب وآثارها. انتفضت البحرين إلاّ أن بطش آل سعود وملك واشنطن في المنامة ونفوذهم كان أقدر وأنجع. أرض الإسلام كلها في حراك والكلّ في الحكم يهادن ويصالح، يجازف ويمكر. المؤكد أن حكام المسلمين خائفون والرعشة تسكن ظلمة صدورهم. 

خرج أحرار الشام في درعة يطالبون بإصلاح أحوالهم فرد عليهم زبانية بشار بتعذيب أطفالهم واستئصال حياتهم عبر قطع أعضاءهم التناسلية، خرجت الشام صابرة مصممة على الإصلاح، فظننا أن بشار ذكي كما بدا لنا أو ماكر على الأقل، لعله يستجيب لبعض المطالب وينصح جنده بشد أيديهم النجسة عن شعبه، إلاّ أنه طغى وتكبر وأمر بقطع شأفة كل من جاهد بكلمة الحق في وجه الجور والبغي، بل أمر بقهر الشعب كله بداعي المؤامرة الخارجية وهي موجودة فعلا ولكنه غفل عن أن نظامه ساهم بقدر كبير ببطشه في تطوير المؤامرة وإكثار الفاعلين فيها وهو ما يلغي احتجاجه بالدفاع عن سيادة سورية ووحدتها الترابية.

بدأت شرائط الوحشية تملأ الشاشات ... تعذيب واغتصاب وقتل، كفر وإلحاد وطغيان، إفساد وحرق وقصف ... آلام ودموع وتيه. بعد صبر عظيم ومظاهرات سلمية دامت نصف سنة وأمام عزم النظام على حلّ الأزمة بالقضاء على أحد أطرافها، لم يبقى من خيار إلاّ الدفاع عن النفس والعرض، فحمل الأحرار المجاهدون حقاً ما تمكنوا منه من أسلحة خفيفة ليتبعهم الأحرار من المنشقين عن الجيش النظامي، حتى يكفوا بشار وجنده وشبيحته عن الشعب السوري الأعزل، إلاّ أن هذا التطور الخطير لم يغيّر من طُرق النظام في شيء ولم يشجعه على التواضع لشعبه والمحافظة على وحدة أرض سورية والتوصل إلى وفاق تتحقق من خلاله مطالب الشعب المشروعة وبالتالي قص الطريق عن التدخل الغربي والصهيوني الذي يتآمر على سورية فعلاً وواقعاً وحلّ الأزمة سورياً بين أبناء الوطن الواحد أو بدعم إيجابي ومحايد للأطراف الإسلامية المحيطة بسورية، بل دَفَعَهُ إلى اتخاذ سياسة الأرض المحروقة بتكثيف المجازر في حق الأبرياء وتطبيق العقاب الجماعي بقصف المدن والقرى بالطائرات وقد استعمل أسلحة كيميائية محظورة حسب بعض التقارير. 

في وضع حرج كهذا، اعتقدنا أن إيران، بداعي أنها دولة إسلامية تريد تحرير فلسطين وخفض التأثير الغربي على المنطقة وتسعى إلى التعايش البناء مع جيرانها المسلمين السنة الكثر، قد تقدر المصلحة العليا للأمة وتنصح بشار بإيجاد حل وسط بينه وبين شعبه يحفظ سلامته ويسلم الأمر إلى أصحابه الشرعيين – أهل الشام الأحرار المجاهدين، وجدناها في الأول متحفظة، ثم داعمة ومدافعة عن الوحشية «الأسدية» وها هي اليوم تبعث بالمقاتلين والخبراء العسكريين لقتل الشعب في سورية وانتهاك عرضه وتشريده. لن نرضى هذا، ليس لأنكم شيعة وليس كونكم ارتضيتم ولاية الفقيه، بل وليس حتى بسبب دفاعكم عن نفوذهم في بلاد الشام، بل لأنكم أهدرتم دماء إخواننا لأنهم أرادوا أن يتمتعوا بشيء من الحرية ويحكمون أنفسهم حسب إجماعهم كما تفعلون أنتم ولأنكم أيضاً تشاركون بتدخلكم هذا في تشتيت الأمة ودعم المشروع الغربي والصهيوني الرامي إلى إضعافها حدّ التقامها لقمةً لقمة، أنتم هم الطائفيون لأنكم ناصرتم أصحاب مذهبكم، ليس بنصحهم بالكف عن عدوانهم، بل بمشاركتهم فيه. أليس فيكم رجل رشيد؟ خسئتم.

أما نصر الله الذي ظنناه بأنه يعي الوضعية الحساسة التي يقع فيها و ما يكده له المتربصون به في لبنان وبلاد الخليج وفي الجنوب وقد يعلم بأن الشعوب العربية والإسلامية لا تخذل الرجال ولا تبيعهم للعدا، على أن يكونوا رجالاً فعلاً ويناصرون الحق أينما كان وإن عند العدا، لكنه لا أقول خذلنا بل غدرنا، لأننا حقاً رأينا فيه في وقت مضى جندياً من جند محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه طعننا في ظهورنا عندما سلّ سيفه على من كانوا حضناً له وسنداً له، بل وأقول من أحبوه صدقاً ونصروه فعلاً. هذا، وقلنا: محال أنّ حزب الله يخلوا من رجال يقفون مع الحق وينصحون قائدهم لليِّه عن عدوانه ولكننا لم نسمع أحاً. 

ظننا أنّ أهل الشام آمنون بين إخوتهم ولكنكم أصحاب العمائم السوداء غدرتم بهم وبنا. نحن لسنا تكفيريون كما يزعم نصر الله، بل نحب ونعتقد بإسلام بكل من يشهد بلا إله إلاّ الله وبأنّ محمداً رسول الله وأنتم كذلك. رغم الجرح العميق، إلاّ أننا نأمل رجعةً منكم إلى الحق تحقن دماء المسلمين منّا ومنكم، وإن أصررتم وأنتم كذلك تفعلون، فنشكوا الله منكم وهو أقدر عليكم وأكبر وندعوا بعد ذلك كل قادر من المسلمين والأحرار في العالم، الراغبين حقاً في مناصرة السوريين ورفع الظلم عنهم أن ينتصروا لهؤلاء المستضعفين في الأرض ورد الأمر إليهم، فهم أهله أصلاً وفي الأخير أقول «دوام الحال من المحال»، أهل الشام أهل حق والباطل زهوق.

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا على المقال المتميز فقد اعطيت تحليلا من عدة جوانب بارك الله فيك فواصل في الكتابة والإبداع وفقط كنصيحة حاول ان تكون مقالاتك لا تتعدى 400كلمة لكي لا تكون طويلة وبالتوفيق اخي الفاضل

    ردحذف